الفيرمون الملكي في ملكات نحل العسل

الفيرمون الملكي
في ملكات نحل العسل
                                                                           لقمان ابراهيم القزاز

الفيرمون  Pheromone كلمة تُطلق على مادة كيميائية  تفرز خارجياً من جسم الحيوان ، قد تكون في حالة غازية أو سائلة أو صلبة ، ينحصر تأثيرها في أفراد النوع نفسه ، وفي النحل تستقبلها وحدات الإحساس العصبي التي تتركز في النُقر والشعيرات في قرني الإستشعار .
تفرز الغدد الفكية في ملكة نحل العسل queen mandibular glands  مادةً ملكية queen substance تحتوي على مجموعة فيرمونات ، عُرفت كيميائية بعضها مثل الفيرمون الرابط  9 –hydroxy-2-decenoic acidو الفيرمون المانع 9-keto-2-decenoic acid وما يزال البعض الآخر قيد الدراسة . . من الفيرمونات الموجودة في  المادة الملكية (( الفيرمون الملكي )) الذي يحمل البصمة الخاصة بالملكة ويختلف عن نظائره لدى الملكات الأخرى ، يثير عدوانية الملكات فيما بينها ، و يشكل عاملاً رئيساً في القضاء على الملكات الضعيفة وانتخاب القوية لإدامة النوع . تتحسسه شغالات الطائفة ، تتعرف به ملكتها وتميزها من الملكات الغريبة . . ينتشر الفيرمون الملكي بين أفراد الطائفة بمستوى منخفض في حال غياب الملكة ووجود خادرة في بيت ملكي ، ثم يتحسن بظهور العذراء ، و يزداد غزارةً و انتشاراً بعد حصول التلقيح ، ثم يضعف تدريجياً  مع تقدم الملكة في السن ، وينتهي قبل  نفاد الحيوانات الذكرية في القابلة المنوية بوقت قليل ، مترافقاً مع عجز الملكة عن استخدام جهاز اللسع .
يلاحظ تأثير الفيرمون الملكي في سلوك الملكات في الأحوال الآتية :
1- في غياب الملكة تبني الشغالات عدة بيوت ملكية لتربية ملكة بديلة . تعمل العذراء الأولى بعد خروجها من البيت الملكي وأخذ قسط من الراحة على الوصول إلى كل بيت ملكي ناضج ، مستدلةً عليه بما يصدر عنه من فيرمونات ، من ضمنها  الفيرمون الملكي الذي يثيرعدوانيتها ، فتعاجل كل بيت بلسعة جانبية قاتلة تنفذ في الخادرة قبل أن تصل إلى عذراء على وشك الخروج ، فتضمن التخلص من غريماتها و تفرّدها في الطائفة .
2- قد تخرج من البيوت الملكية أكثر من عذراء واحدة  في وقت واحد أو ساعة واحدة ،  وتنتشر بعددها فيرمونات ملكية مختلفة تشيع حالة من التوتر والتعصب ترتفع في خلالها زمجرة العذارى   يتحدى بعضها بعضاً بشكل أزيز يسمعه النحال بوضوح تام ، ثم تنشب وتتكرر معارك ثنائية تنتهي بفوز الأقوى .
3- دخول ملكة أو عذراء على طائفة بملكة ينجم عنه أحد أمرين ، الأول : إذا كانت الملكة الداخلة خائفة ، أو ما تزال تحمل رائحة الطائفة  التي جاءت منها ، تتصدى لها الشغالات على أنها نحلة غريبة ، ومصيرها القتل . . الأمر الثاني : إذا زالت عنها رائحة الطائفة ولا تنبعث منها رائحة الخوف ، لا تتعرض لها الشغالات ، ويتم لقاء سريع بين الملكتين بفعل الفيرمون الملكي لدى كل منهما وينتهي بقتل الأضعف .
4- بعد مشاركة الملكة في  (2-3) من مواسم النشاط تتدهور أجهزتها الحيوية ، ولا سيما المبيضان المرهقان بإنتاج البيض ، والغدد الفكية المجهَدة بصناعة المادة الملكية ، وضمور غدد بقية الفيرمونات ،  مع تهافت آلية جهاز اللسع وخمول سُميته ، و قرب نفاد المخزون من الحيوانات الذكرية في القابلة المنوية . . تعمل الشغالات على استبدال ملكتها المسنة بأخرى حديثة ، تبني (2-3) بيوت ملكية لا يلبث الفيرمون الملكي أن ينبعث من خادراتها . . تعجز الملكة المسنة - أو المريضة - عن استخدام آلة اللسع في قتل الخادرات ، تخرج العذراء الأولى تهاجم أخواتها داخل البيوت الملكية ، ولا تهاجمُ أمها المشرفة على نهايتها  لخلوّها من الفيرمون الملكي المثير لعدوانيتها .
5- حين القيام بعملية استبدال ملكة غير مرغوب فيها بأخرى مرغوب فيها وبشكل فوري ومباشر (بدون قفص) يتم الإستبدال بنجاح إذا حصل في موسم فيض العسل  وأتيح  للملكة المرغوب فيها أن تتخلص من رائحة الطائفة التي جاءت منها ، ويتم  ذلك بتعريضها للجو الخارجي في قفص ملكات قرابة (20) دقيقة ، ثم تدخن الخلية و تفتح و تنحى الملكة غير المرغوب فيها ويطلق سراح الأخرى فوق أطر الحضْنة مباشرة أو من خلال فتحة المدخل ، مع تدخين معتدل للتغطية على روائح الخلية ولتتمكن الملكة الداخلة من اكتساب رائحة الطائفة ومن مدّ الشغالات فوراً بالمادة الملكية ومن ضمنها الفيرمون الملكي الذي يُشعرها بتغيير ملكتها .  في أغلب الأحوال لا تستطيع الملكة أن تضع البيض قبل مرور (24) ساعة على دخولها ، هذه المدة تمثل الفترة الزمنية التي يحتاجها الفيرمون القديم للاختفاء من الطائفة ،  تقودها بعده الوصائف إلى النخاريب المهيأة لوضع البيض . . يستغرق تقبّل الفيرمون الملكي الجديد قرابة أسبوع ، في أثناء القبول البطيء يمكن أن تقتل الملكة إذا تعرضت الطائفة لأي نوع من الإزعاج .  في خلال هذه الفترة أيضاً قد تباشر الشغالات بناء بيوت ملكية تعبيرًا عن فقدان الملكة وتجاهلاً  للفيرمون الوافد ، ولكنها سرعان ما تغير من سلوكها وتتوقف عن إتمام البناء ثم تزيل آثاره .
6 -  قد يتم إدخال ملكة مرغوب فيها على طائفة قوية بعد انقضاء عدة ساعات على تنحية الملكة  الأم ، تؤدي الفترة \ الساعات التي تنقطع في خلالها المادة الملكية بما فيها من فيرمونات إلى الشعور بفقدان الملكة ، ومن ثم إلى تعصب الطائفة واضطرابها ونشر فيرمونات التحذير والشروع بتربية ملكة جديدة .  يؤدي دخول أي ملكة بفيرمونها الملكي الغريب وبشكل مباشر على هذا الجو المضطرب إلى رفضها فورًا والتكتل عليها ، ثم إلى قتلها إن لم تنقذ في الوقت المناسب . .  لتجاوز هذه الحال يجب استخدام قفص ملكات وتجنب الإدخال المباشر .
  حين يتأخر الإدخال عدة أيام ينبغي إزالة كافة البيوت الملكية المفتوحة والمغلقة وإدخال الملكة الحديثة باستخدام قفص ملكات . . وفي حال الإدخال المباشر ( بدون قفص ) يتم الإدخال الآمن بعد مرور ( 24 ) ساعة - في الأقل - على إزالة ما فيها من بيوت ملكية ، ليختفي في خلالها ما إنبعث منها من فيرمونات  .

7 - في موسم التكاثر تزدحم الخلية بالنحل الصغيرة السن المزمعة على التطريد ، تمنع الشغالاتُ الملكةَ الأم من الوصول الى البيوت الملكية لقتل العذارى ، لحاجة الطائفة الى عذاراها للتكاثر ، وبعد تمام التطريد . . وفي العادة تظهر العذارى الحديثة في الطائفة بعد بيومين الى ثلاثة أيام من مغادرة الطرد الأولي الخلية برفقة الملكة الأم .
تستمر الشغالات بالمحافظة على سلامة البيوت الملكية ، وتحرص العذارى الحديثة على أن تتباعد عن بعضها البعض تفادياً لنشوب إقتتال فيما بينها ، تنتظر الخروج بصحبة  طرود ثانوية  تنطلق مرّة واحدة كل يومين او ثلاثة أيام .
قد يضم الطرد الثانوي الواحد عذراء واحدة ، وقد يصل العدد الى سبع عذراوات . تحاول كل عذراء منها – بعد الإستقرار في محل دائم – إستقطاب أكثر ما تستطيع من أفراد في محاولة للإستقلال والإنفصال من الطرد ، ولكن الغالبية لا تستجيب لمحاولتها مما يجعلها تخضع لتأثيرات الفيرمون الملكي ، تندفع الى مواجهة نظيراتها وتشتبك معها في معارك لبقاء الأقوى .  
بعد أن يتوقف التطريد وتختفي أسبابه وتستقر الطائفة ويخفّ الزحام تمارس العذارى المتخلفة نشاطها الطبيعي في خوض صراعات ثنائية ، وفي العثور على ما تبقى من بيوت ملكية وقتل عذاراها .
 8  –  يشجع حاجز الملكات الطائفة في الربيع على بناء بيوت ملكية في الحضنة المفتوحة في الأدوار العليا ، يتصرف النحال بالبيوت الناضجة وفق حاجة المنحل . أحياناً قد يسهو عن بيت ملكي صغير الحجم لا يلفت النظر اليه أخفته الشغالات بمهارة ،  تخرج منه عذراء صغيرة الحجم ضامرة البطن ، تنفذ بسهولة من بين أسلاك الحاجز الى دور التربية ، تبحث عن الملكة الأم ، مستدلة عليها بما يصدر عنها من فيرمون ملكي . . لا يجدي الملكة الأم المثقلة بالبيض - حين تدرك ظهور فيرمون ملكي غريب في الخلية - أن تتخفى بين الأطر وجدران الخلية هرباً من مواجهة ملكة غريبة . . تستعين العذراء الحديثة بفتوتها وخفة حركتها في الهجوم على الأم المضطربة البطيئة الحركة ، تقضي عليها بسهولة لتحلّ محلها في أمومة الطائفة .
   وهنا ينبغي للنحال أن لا يركن الى الوضع الطارئ ، وأن يسارع الى التخلص من العذراء المتقزمة ، و يعالج الوضع بما يتيسر لديه من مُكنة ، أو بما يراه من حلّ مناسب .