مربو النحل في العراق وحديث شيق للنهار ملكات النحل تحملت أقسى الظروف التي مرت بالعراق من حرارة جو وفقدان أراض زراعية وإحباطات عديدة

برغم أن الله جل وعلا قد خص النحل بسورة كاملة سميت بسورة النحل وبـ128 آية، وبرغم ان الاحاديث النبوية والحكم والاقوال والعظات تؤكد ان عسل النحل غذاء ودواء ودليلنا الحديث المشهور (عليكم بالشفاءين القرآن والعسل) ليرسم لنا خارطة طريق واضحة ومنهجا قويما مع ترسيخ ثابت بأن يكون القرآن الكريم ربيع قلوبنا ودفئا وطمأنينة وشفاء لما في الصدور، وليكون العسل مذاقا لذيذا هنيئا ودواء وبلسما بامتزاجه مع الحبة السوداء لأكثر الأمراض شيوعا.
ولنتطرق في التفكير قليلا مع كلمات الله جل وعلا في سورة النحل {...يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} نجدها برهانا قويا يؤكد ان المعلومة التي يملكها الناس بأن النحل للعسل فقط وتبين أخطبوطها العلمي الطبي الدوائي العلاجي التعقيمي من خلال العسل، الشمع، الغذاء الملكي، حبوب اللقاح، البربوس، العكبرة، وآخرها لسع النحل لعلاجات شتى يجعلنا نتساءل اين العسل العراقي الدقيق؟ ما السر في غيابه وتراجعه وعدم التفات أي جهة لهذه الثروة الرديفة نفط؟

*هل للعولمة الجديدة التي اكتسحت البلاد تأثير سلبي فيه؟ هل النحالون أو خلايا النحل أصابتها بكتيريا الأزمات أو الأسواق مشرعة الابواب والنوافذ لاستيراد كل شيء خفيف وثقيل، جيد وهزيل، أصلي وتقليد، وآخرها العسل؟ أين وزارة الزراعة ومسؤول قسم النحل بالوزارة من ذلك ودعمها المفقود لإنتاج قد ينافس النفط موردا؟ تساؤلات عديدة تحرق الغيارى وتبحث عن جواب وفق المنطق بالمنطق والدليل بالقرينة.
ولكي نضفي على الحوار البعد الميداني من ناحية الموفقية التي أسكنها تحديدا وهي إحدى نواحي واسط حاورنا أحد النحالين البارزين في العراق، هو النحال محمد عيسى السعدون، الذي ينتمي لعائلة عريقة موغلة في القدم، عرفت بنضالها ضد الانكليز، فجده أبو علي (عبدالمحسن السعدون) رئيس الوزراء العراقي الأسبق وصاحب المواقف المشرفة، ولعل أروعها وصيته لولده علي المليئة عبرة وحكمة ووطنية، ومقولته الشهيرة (الشعب يريد الخدمة والإنكليز لا يوافقون).
وعند زيارتي له في بيته ومنحله المتنقل ما بين الحمضيات والبرسيم وأشجار شتى ووفق جدول علمي في مزرعته او ايجار بضعة دونمات لزراعة البريسم لنكتشف عوالم بهية ممزوجة بألم الاهمال الذي لا يفهم لغزه أطلعني على بداياته وآخر تطورات عالم النحل ليكون هذا الحوار:

* أبا جمال، لنبدأ من الآخر، ما السر في غياب العسل العراقي وتراجعه؟ - بصراحة، هناك عدة أمور وأسباب لغياب العسل العراقي وابتعاده عن المنافسة الجدية، لعل اهمها غياب أي دعم من وزارة الزراعة صاحبة الشأن في موضوع تربية النحل ومن خلال القسم المختص فيها قسم النحل، فلا قروض وسلف وتجهيزات ولا علاجات ولا مستلزمات الخلية او النحال، وأستطيع أن اضيف أن مسألة العسل المستورد الذي يأتينا من الخارج هو غير أصلي ورخيص الثمن وأغلبه مغشوش.

* من المعروف أن للنحل عالما بهيا وصارما، متى دخلتم هذا العالم الدقيق؟ - ولوجي هذا العالم البهي، كما تقول، كان عند عتبة العام 2002، فأنا مزارع منذ سنين ووفق أراضي السعدون الشاسعة ومن لواء المنتفك، والى هذه اللحظة نحن أصحاب عشق للأرض وأخاديدها وولوجنا في العالم الميداني الزراعي وليس الافتراضي وكانت لدي هواية محببة اسمها النحل والعسل وصقلتها بالمتابعة والقراءة والجهد لتكون شخصيتي بل تجارتي ومورد رزقي اذا علمتم انني موظف في اتجاه يختلف عن هوايتي لأكرس مقولة شخصية وهواية والألف ميل يبدأ بخطوة، وأنا بدأت بخليتين والآن أنا من النحالين المعروفين في عموم العراق.

* هل هناك نحالون معروفون معك تتشاور معهم في إدارة الخلايا ومعالجة المشاكل التي قد تحدث؟ - فضلا عن وجودي في أغلب المعارض التي تقام في المحافظة وعموم العراق ممثلا لمحافظتي، فهناك أسماء مهمة في هذا العالم من محافظتي مثل النحالين جليل عزاوي وصادق مصطاف اتشاور معهما ونتعاون معا من اجل كسب ثقة الزبون بإنتاجنا الأصلي الدقيق والحفاظ على سمعة العسل العراقي من الغش أو النفع السريع على حساب الجودة.

* تمثلون المحافظة والعراق في محافل عديدة كما تقول، ما السبب في غياب الدعم؟
- لا أدري حقيقة سر هذا الاهمال وغياب الدعم، وكل أعمالنا واعتمادنا هو ذاتي ولا نعلم أنا وجمعية النحالين العراقيين ماهية الاسباب لنظرية الاهمال من قبل الجهات ذات العلاقة.

* ماذا عن مشاركاتك الخارجية؟
- شاركت جمعية النحالين العراقيين بعدة مهرجانات ومعارض وانا احد أعضائها داخل العراق وخارجه، أبرزها مصر وسوريا والمهرجان الاخير في تركيا عندما رفعنا علم العراق عاليا ونحن نحقق مرتبة متقدمة في الجودة والتلقيح والعلاج متقدمين على دول لها الباع الطويل في مجال تربية النحل برغم إننا لا نملك الدعم أو التشجيع من اي جهة.

* أين أنتم من عسل (نحلة) و(سنبلة) وغيرهما الكثير المنتشر في الأسواق؟
- للأمانة أقول اننا دخلنا منافسة قوية مع العسل السعودي (نحلة) و(سنبلة) وتفوقنا عليه من خلال (التجربة خير برهان) والآن يعيش المسوقون للعسل نحلة والسنبلة ازمة حقيقية بين منتوجنا وبالذات عسل الشمال والوسط وبين منتوجهم المتراجع وهذه منافسة تحسب لنا وبالاثبات والمختبرات العالمية.

* ماذا تحسب جمعيتكم (جمعية النحالين العراقيين) أهي منظمة مجتمع مدني أم مؤسسة، ومرجعها الى أين؟
- بالحقيقة لدينا منهج خاص بنا ولقاؤنا دوري كل يوم سبت في مقر الجمعية في بغداد وهي جمعية مستقلة تماما نعمل كخلية نحل من النحل الى النحل دون مرجع ولا قيود ولا ضوابط الا الجودة وضبط معيار الدقة والمنافسة وارضاء الزبائن.

* حدثني عن الملكات وكيف يتم جلبها ومن أين؟
- للملكات قصة وبحوث ومختبرات بدأت تتطور في العالم كله ودخلت للتو في شمال العراق دهوك حصرا بدعم مباشر من وزارة الزراعة في كردستان ومحافظ دهوك لجمعية النحالين هناك وهي ملكات بمعنى الكلمة حيث تطعمها العاملات وتطوقها الحمايات وعمرها ست سنوات عكس بقية النحل وعمره ثلاثة أشهر كاملة.
وملكات النحل العراقية حقيقة من افضل انواع الملكات بالعالم لانها هجين من يوغسلافيا وبطعم عراقي وتزاوج ايطالي حتى سميت بـ(كرنيولي هجين) ومن الجيل الاول والدليل تحملت اقسى الظروف التي مرت بالعراق من حرارة جو وفقدان اراض زراعية وإحباطات عديدة عاشتها الملكات والملوك وبشهادة علماء الخلايا من دول عديدة حتى سميت بالملكات القائدة لتوجيهها الصارم والمتابعة الدقيقة، سبحان الله، لكل أمور الخلية.

* هل هناك جهة كشركة أو منظمة أو مديرية تدعمكم وتتعاون معكم؟
- للأسف، اقولها بألم، لا يوجد، باستثناء دعم اولي من الامريكان وقبل سنوات لجمعية النحالين في بغداد وبابل والنجف كأموال وتجهيزات ومعدات النحالين وشيء من هذا القبيل، فليس هناك راع لنا ولمشروعنا وكنا نطمح بمرور السنين سيكون الدعم مجزيا من الجهات ذات العلاقة لكي ننافس دول العالم بالعسل العراقي لانه ذو مكون مثالي عالي القيمة وتوجد بكثرة في ارض العراق كالكالبتوس والسدرة والبرسيم والحمضيات وبالذات عسل السدرة ذو النكهة الخاصة الذي يسوقه التجار الى دول الخليج وبعض دول العالم.

* هل منحتم قلادة الإهمال من الجهات المعنية بدل شهادة الدعم؟
- نعم، ونتمنى منهم أن يمنحونا شهادة الجودة الوطنية، واقولها بكل أسف مع احباط في نفوسنا نحن نتألم عندما نرى الدعاية الكبيرة التي يحظى بها النحالون العرب والأجانب من قبل الجهات التي ترعاهم وعدهم شريحة اساسية في برامج وزاراتهم في تقديم الدعم المجزي تماما في حين نحن نعاني من الاهمال وكأن مطربة الحي لا تغني.

* هل بالإمكان أن تدل الجهات المعنية بطرق مثلى للدعم والاستمرارية؟
- نعم، وأولها دعم وزارة الزراعة لنا نحن النحالين أسوة بنحالي كردستان او النحالين العرب كسلف او قروض أو تجهيزات ومستلزمات والرقابة الصارمة لتجارة ملكات النحل والخلايا او ملكات النحل المصابة بأمراض التي قد تدخل البلاد للتأثير في السمعة الجيدة للملكات العراقية الهجين نوع كرنيولي التي ادخلت في مختبرات عراقية آنذاك لتتسلح بادارة فذة كما ننبه وبشدة الى بعض المبيدات التى توزعها وزارة الزراعة وهى سمية مثل المبيد الاخير (كيمو سيس) لمكافحة دوباس النخيل غافلة تأثيره القاتل في الحيوانات ومنها النحل وهو يشكل خطورة يجب الانتباه لها.

* هل من شيء في دواخلكم يكشف الغيوم الملبدة لواقع النحل والنحالين الذي تعيشون؟
- نعم، وبكل سرور، ولعلني لا اذيع سرا ان قلت بافتتاح اول مستشفى في الشرق الاوسط للعلاج بلسع النحل وفي مصر سيناء تحديدا مما يؤكد تفوقنا نحن النحالين العراقيين بممارسة العلاج والتطبب باللسع ولأمراض عجز عنها الطب الحديث كتشمع الكبد والروماتزم ووفق برنامج علمي ومن المفرح كما علمنا ان في محافظة القادسية الآن دكتورة عراقية أتت من المانيا تمارس العلاج بلسع النحل بعيادتها الخاصة وانا اتوقع ان يكون للعلاج باللسع عيادات واطباء وكأنه سبق طبي عراقي ممزوج بخبرة النحالين لو توفر لهم الدعم والمتابعة والاعلام ولا ننسى النظرية القائلة بأن النحل دفاعي ويلسع دون سابق إنذار وان اداتها اللسعية مخروطية ومتصلة بامعاء النحلة مباشرة لتلسع وتعلن وفاتها.. سبحان الله.

* هل من كلمة أخيرة تود أن تقولها؟
- أشكر حرصكم ومتابعتكم لكل منتوج وطني ومن خلالكم اشكر النهار، جريدة وخطا صحفيا ملتزما يعمل تحت الشمس لتكون صوتا قويا في وضح النهار، وتحياتي لكل ملاك النهار، وفق الله الجميع لخدمة العراق وشعبه.


الخميس - 22 اب( اغسطس ) 2013 - السنة الأولى - العدد 409