تعليق عن فيديو النحل العسال لقناة المجد الوثائقية

المعلق :

كل سنة، تجوب ملايين النحلات بحثًا عن ديار جديدة.

أغرب ما في الأمر هو أنها تترك وراءها الأمان الذي كان سائدًا في مستعمرتها، من دون أن تملك أدنى فكرة عن مكان توجهها. فهي لا تعلم سوى أن الوقت قد حان للانتقال إلى مستعمرة جديدة.

إن النحل العسال هو من المخلوقات الأولى التي تبرز على الساحة عندما عندما يحلّ فصل الربيع. وذلك لأن مستعمراتها تصمد وتحافظ على بقائها من سنة إلى سنة. ما إن تبدأ حرارة الطقس بالارتفاع، حتى تتدفق من القفير ملايين النحلات البالغة المتشوقة للبدء بالعمل.

في الواقع، يؤدي النحل العسال الجزء الأكبر من مهمة التلقيح في مطلع الموسم.

هذا يعني أن بإمكان أزهار الأشجار المثمرة التي تتفتح باكرًا كأزهار التفاح وغيرها أن تضمن بقاءها لأن هناك ما يكفي من النحل الملقِّح الذي قد صمد واجتاز فصل الشتاء وبات مستعدًا للخروج من قفيره وإنجاز المهمة على الفور.

إن أردتم إنتاج الثمار، فأنتم بحاجة لا محال إلى النحل العسال لإنجاز المهمة، وبخاصةإن كان الأمر متعلقًا بثمار بساتين الفاكهة. وهذا يتطلّب بالطبع مجهودًا جبارًا من النحل.

وقد تأقلم النحل العسال بشكل ممتاز لتأدية هذا الواجب. كل ما في تركيبته مُعدّ لخدمة هدف واحد: العثور على النباتات المزهرة واستغلالها.

يعلم معظم الأشخاص أن الكلاب تتمتع بحاسّة شمّ ممتازة، لكن حاسة شمّ النحلة العسالة أفضل من عدّة نواحٍ. في الواقع إن حاسة شمها قوية لدرجة أن الجيش الأميريكي يقوم باختبارات عليها ليرى إن أمكنه استخدامها للعثور على المتفجرات والألغام الأرضية.

فهي تملك قدرة متطورة على اقتفاء آثار الروائح لدرجة أن بإمكانها في فصل الصيف أن تشم رائحة بستان الفاكهة على بعد عدة أميال.

تقترن حاسة شمها بقرون الاستشعار في معظم الأوقات، أو بالأحرى بالجزء الخلفي الأقرب من الرأس. فهي تملك في هذا الجزء العديد من المتقبّلات الكيميائية. كما أنها تتمتع بحاسة ذوق قوية. فحاسّتا الشم والذوق متشابهتان لديها إلى حدّ بعيد، لهذا السبب لسانها أيضًا فيه متقبّلات. كما يمكن أن نجد المتبقلات منتشرة في مخنلف أنحاء جسدها لكن معظمها متواجد في قرون الاستشعار.

عندما يتعلق الأمر بحاسة الشم، تراها تشتم الأشياء التي تهمها. وقد اتضح أن الأزهار التي غالبًا ما ينجذب إليها النحل هي التي نجدها نحن أيضًا ملفتة للانتباه. فهي تتمتع باريج يوحي أنها مصدر جيد للرحيق.

إلا أن حاسة شمها لا تقتصر فقط على الأزهار، فالنحل العسال يتمتع بمتقبلات خاصة تساعده على رشف المياه بواسطة لسانه الشبيه بالقشة، لنقلها بعد ذلك إلى قفيره.

يرتبط تواجد النحل بالإنسان وذلك لأننا نؤمّن له الديار المناسبة. فنحن نبني له تلك القفران المستطيلة المُقسّمة إلى أجزاء، كما أننا نؤمّن له الأسس لبناء أقراص العسل، ونعني بذلك الأُطر.

نحن معتادون على التفكير بأن النحل هو من المخلوقات الداجنة، لكن ليست تلك هي الحال دومًا.

فقد عاش النحل العسال في البراري ملايين السنين وفي كل سنة تعود مئات المجموعات إليها.

ويحصل هذا الأمر إن كانت خلية النحل ناجحة جدًا ومكتظة، فتبدأ النحلات العاملات بإنتاج خلايا جديدة ذات مساحة أوسع لتربية ملكات جديدة.

تتناول الملكة الجديدة مادة خاصة تُسمّى الغذاء الملكي، وهي تؤمّن المواد المغذّية الإضافية الضرورية لكي تتمتع بجسد أكبر من جسد الأخريات. وعندما تصبح مستعدة، تتجمّع حولها العاملات فيما تشق طريقها إلى خارج الشرنقة وتظهر على الساحة.

وخلال الأيام القليلة التالية، تقوم الملكة الجديدة بالسيطرة على مستعمرة النحل أو ترحل لتؤسس مستعمرة جديدة لها.

لا فائدة للملكة إن كانت بمفردها. لذا عندما تغادر القفير لتؤسس مستعمرتها الخاصة، ترافقها نسبة معينة من النحلات العاملات لمساعدتها في ذلك.

عندما تصبح الملكة مستعدة، يتمّ نشر رسالة في أرجاء المستعمرة تفيد أن الوقت قد حان لكي تهاجر النحلات إلى مستعمرة جديدة.

تقوم النحلات العاملات بتخزين الطعام للرحلة الطويلة التي عليها القيام بها.

إن عملية اختيار من التي ستبقى ومن التي ستغادر ما زالت لغزًا.

لكن عندما تدقّ الساعة الحاسمة، تقوم مجموعة كبيرة منها برعاية الملكة بالتحليق بحثًا عن ديار جديدة. أغرب ما في الأمر هو أنها تترك وراءها الأمان الذي كان سائدًا في مستعمرتها، من دون أن تملك أدنى فكرة عن مكان توجهها. فهي لا تعلم سوى أن الوقت قد حان للانتقال إلى مستعمرة جديدة، والتفاصيل تأتي وهي في طريقها إلى هناك.

عندما يصبح النحل على مسافة بعيدة جدًا من دياره القديمة، يحطّ الخشرم ليضع مخططًا للمرحلة القادمة.

وحين يستقر الخشرم، يذهب النحل الكشاف بحثًا عن موقع جديد للقفير.

يكون النحل الكشاف عادةً الأقوى بين المجموعة والأوسع خبرة من حيث التحليق، لذا يُكلّف بالمهمة الصعبة.

فهو يبحث عن جذع مُجوّف أو مكان محميّ يمكن أن يُأوي المجموعة، لكن من دون أن يكون شاسعًا بحيث تصعب حمايته.

أحد العوامل التي تجعل مهمته أكثر صعوبة, لا بل مستحيلة أحيانًا هو التبدل في الطقس.

فالنحل العسال غير معتاد على التحليق عندما تكون الحرارة منخفضة، أو عند تساقط المطر. فالتحليق، ناهيكم عن مكافحة العوامل الطبيعية، يستهلك كمية هائلة من الطاقة.

إلا أن على النحل الكشاف أن يتخطى بشجاعة تلك المِحَن. فاستمرار المستعمرة يعتمد على نجاحه. ولهذا السبب يتابع البحث لأطول فترة ممكنة.

لكن إن بدأ المطر بالتساقط، فلا خيار لديه سوى البحث عن ملجأ للاحتماء ريثما تهدأ العاصفة.

أما في الخشرم، فتلتفّ النحلات العاملات حول الملكة لتبعث الدّفء، وتنتظر إلى أن تهدأ العاصفة ويعود النحل الكشاف حاملاً معه الأنباء.

ولا تملك تلك النحلات سوى المؤن التي حملتها معها من المستعمرة القديمة. ومع مرور الوقت، ينضب المخزون وتصبح النحلات منهكة. وتبدأ النحلات الواهنة بالسقوط تدريجيًا.

ولإن طال بقاؤها من دون ملجأ، ستستهلك كمية هائلة من الطاقة لدرجة أنها قد تفنى بسرعة فائقة في نهاية المطاف، فتهلك المستعمرة بأكملها.

مع هدوء حالة الطقس تواصل الكشافة بحثها إن الوقت يداهمها، وعليها أن تجد بشكل عاجل مكانًا آمنًا لتستقر فيه المستعمرة.

لا تتخذ أي نحلة كشافة, القرار بنفسها. فما يحصل هو التالي: قد تتولى مئات النحلات مهمة البحث عن مكان ملائم للاستقرار، غير أنه عند عودتها تقوم كل واحدة بإخبار المستعمرة عن الموقع الذي وجدته، وذلك عبر رقصة تُعرف برقصة الهزّ.

وتتضمن هذه الرقصة شكل الرقم ثمانية. حلقتان صغيرتان يتوسطهما خط أفقي وهي تؤدي رقصة الهز على هذا الخط الأفقي وتحرّك بطونها نحو الأمام ومن ثم إلى الوراء. ويمكنها القيام بذلك معتمدة سرعات زاويات مختلفة ومستغرقة أوقاتًا مختلفة.

وبهذا الشكل تقوم بنقل المعلومات.

إن الحماسة التي تؤدي بها الرقصة تعبّر نوعًا ما عن مدى أهمية ذلك المكان.

وبالطبع، الأمر يتعلق أيضًا بإمكانية إقناع الجميع بذلك. إن هزّت النحلة جزءها السفلي بقوة، فلا بدّ أنها وجدت موقعًا ممتازًا.

لا يكون الموقع ممتازًا إن لم تتأرجحي بقوة لا يكون الموقع ممتازًا أن اكتفينا بالغناء لا فرق إن كان عذبًا أو حماسيًا حافظي على الإيقاع وابذلي مجهودًا إضافيًا فلا يكون الموقع ممتازا ُ إن لم تتأرجحي بقوة.

ما يثير الاهتمام هو أن النحل يتخذ القرارات بالإجماع.

ما يحدث هو أن عدد النحلات الكشافة التي ترقص بحماسة يزداد رويدًا رويدًا، فيرتفع معه عدد العاملات التي تبدي اهتمامًا بذلك، بالإضافة إلى عدد النحل المتفرّج، فتعلو الإثارة بين صفوفها ويعجّ المكان بالنشاط وفجأة تهبّ جميعها وتنطلق نحو المكان المنشود.

فلا يكون الموقع ممتازًا لإن لم تتأرجحي بقوة.

بعد رحلة تتراوح مدتها بضع ساعات وعدة أيام، تصل آلاف النحلات إلى الموقع الجديد.

فتشرع على الفور بالعمل وتبدأ بتحضير الموقع لإنشاء مستعمراتها المستقبلية.

فتقوم بتنظيف المكان من الفطريات والأوساخ، وتبدأ بترسيخ أساسات قرص العسل الجديد. ولن يطول الانتظار قبل أن تبدأ خلايا جديدة بالظهور.

تتمّ تعبئة هذه الخلايا ببويضات وطعام لتغذية مستعمرة جديدة من النحل.

عندما يتمّ الانتهاء من بناء عدد كافٍ من الأقراص، تبدأ الملكة بالتنقل من قرص إلى آخر واضعة بيضها في الخلايا الشاغرة.

سينتج عن هذه البويضات يرقانات دودية، وتكون كلّ واحدة محميّة داخل خليّتها.

تعتني النحلات العاملات باليرقانات وتقوم بإطعامها أثناء نموّها.

تخضع اليرقانة داخل تلك الخلايا لتحوّل سحريّ. فخلال أسابيع قليلة تتحوّل من يرقانات لا حول لها ولا قوة إلى نحلات عاملات كاملة التكوين.

والعاملات كلها من الإناث. فالمستعمرة بأكملها مكوّنة من عاملات عاقرات، شقيقات في خدمة ملكة وحيدة خصبة.

تتبدّل حياة العاملات مع تقدمها في السن. في أولى مراحل حياتها، تلازم القفير لإنجاز الأعمال المنزلية. ومع تقدّمها في السن، تزداد مسؤولياتها.

لا وجود لأي سلطة مركزية تُملي على كلّ واحدة ما عليها القيام به عبر إعطاء الأوامر فكلّ عاملة تنجز الأعمال المُبرمجة على القيام بها في تلك المرحلة من حياتها.

تترقّى العاملة عندما تنضج، فتُكلّف بمهمة إحضار الطعام. ولإنجاز ذلك، عليها مغادرة القفير واختيار عالم جديد.

تهتم عادةً النحلات المسنات بجلب الطعام، وبالطبع كلما ازدادت خبرة النحلة وباتت متقدمة في السن، أصبحت تجيد القيام بهذه المهمة حتى تصل إلى مرحلة تصبح فيها منهكة القوى. إنها حياة تعجّ بالنشاط والنحلة تبقى منهمكة طوال الوقت، ولا يمكن أن تحتمل أعضاؤها هذا العبء كلّه.

رغم أن المستعمرة قد تدوم لسنوات عديدة، فأفرادها عادةً لا تعمّر طويلاً، أي أنه تعيش بضعة أسابيع وصولاً إلى الشهرين.

نلاحظ أحيانًا أن إحدى النحلات تعود مرارًا وتكرارًا إلى نفس المصدر الرحيق.

فهي لا تبحث عشوائيًا عن الغذاء. عندما تغادر العاملات القفير، تكون مدركة إلى أين هي متّجهة.

وهذا لأن بعض النحلات المتخصصة بالاستطلاع تكمن مهمتها بتحديد مصادر الغذاء الأساسية ونقل تلك المعلومات إلى المستعمرة. فتخبر شقيقاتها بموقع الطعام عبر تأدية رقصة الهزّ.

كما تحضر معها في بعض الأحيان بعضًا من الرحيق الذي عثرت عليه لكي يتمّ تذوّقه بهدف إقناع النحلات الأخريات بنوعية اكتشافها.

إن نجحت النحلة الهزازة في بيع منتجاتها، تنطلق مجموعة من النحلات التي تجمع الغذاء إلى الموقع الجديد وتستفيد من الغنيمة.

يحلّق النحل العسال بسرعة فائقة في أرجاء الحديقة. فهو يجول فوق اليابسة وقد ارتسمت وجهته أمام عينيه. ونادرًا ما يكون حظّه عاثرًا. أجل فنادرًا ما يكون حظه سيئًا.

تختلف رؤية الحشرات كل الاختلاف عن رؤية البشر. فهي تتمتع أولاً بأعين مُركّبة وبالتالي، لا ترى العالم بالطريقة نفسها. كما إنها حساسة تجاه طول موجات ضوئية مختلفة. في حين يمكننا أن نرى اللون الأحمر بكلّ وضوح ومن بعده الأزرق ومن ثم البنفسجيّ، فالنحل يعجز عن الرؤية بوضوح عبر اللون الأحمر، لكن يمكنه الرؤية عبر الألوان البنفسجية وصولاً إلى الألوان ما فوق البنفسجية. فالألوان الأساسية

التي يمكن للنحلة رؤيتها هي الأصفر والأزرق المائل إلى الأخضر وما فوق البنفسجيّ. تلك الألوان تجذب النحل.

لكننا نعجز عن رؤية اللون ما فوق البنفسجيّ. فعلى سبيل المثال، إن الزهرة التي تبدو بيضاء بالنسبة إلينا قد تكون بلون آخر بالنسبة إلى النحلة.

كما قد تظهر أحيانًا بعض الأنماط على الزهرة وهي طريقة ممتازة لمعرفة مكان الرحيق.

الأنماط ما فوق البنفسجية غير مرئية بالنسبة إلينا، لكنها واضحة كليًا بالنسبة إلى النحل.

وهذه بالطبع إحدى الطرق التي تعتمدها الأزهار لجذب النحل إليها.

فمن وجهة نظر الأزهار، يمكن أن يتمّ التلقيح بهذا الشكل. أما من وجهة نظر النحل فتلك هي الطريقة الأنسب للاستدلال على مكان الغذاء.

لا يرى النحل عالمًا مختلفًا عن عالمنا وحسب، لكن بإمكانه أيضًا التأقلم مع عالم يشهد تبدلاً مستمرًا. هناك دومًا أزهار جديدة، وأخرى قديمة تتلاشى وتختفي.

ولكي تتمكن من التجوّل في هذا العالم، على النحلة أن تتعلم كافة أنماط الألوان وتدرّجها، بالإضافة إلى الأشكال والروائح التي ستكون بالنسبة إليها بمثابة خرائط تساعدها على التنقل ذهابًا وإيابًا من القفير إلى مصدر الرحيق.

وقد أظهرت الأبحاث أن النحل قادر على تعلّم أنماط معقدة تصل إلى حدود 14 شكل ولونًا مختلفًا. ويُعتبر ذلك الأمر مدهشًا نظرًا للسرعة التي تحلّق بها عبر الحديقة.

النحل ينجذب نحو أشياء عديدة كبعض درجات انعكاس النور. إن تفتحت أزهار عدة فستعكس كمية كبيرة من النور.

والنحل ينجذب أيضًا نحو ألوان وأشكال محددة. كما للشكل والأنماط تأثير كبير عليه، فباستطاعته التعرّف إلى شكل التُّويج الذي يشير إلى أنه إذا تبع تلك الخطوط، سيصبح قريبًا من مجموعة من الغدد الحيقية.

تتميز بعض النبتات بتركيبات معقدة ترغم النحلة على التنقل بطريقة خاصة يهدف الحصول على المكافأة، ألا وهي الرحيق.

إن الطريق التي ترسمها الأزهار تضمن للنحلة أنها لن تحصل على كمية ضئيلة من الرحيق وحسب، بل إنها ستأخذ معها أيضًا بعضًا من غبار الطّلع.

لا تحصل النحلة أحيانًا سوى على كميات ضئيلة جدًا من الرحيق من عدة أماكن، فترى نفسها مرغمة على التنقل بين مجموعة من الأسدية والمِدقات.

وقد يعني ذلك أحيانًا أن شكل الزهرة هو الذي يحدد الوجهة التي ستسلكها النحلة. فإن اتخذت الزهرة شكل القمع أو الكوب مثلاً فلن يكون أمام النحلة سوى تخطي الأسدية والمِدقّات لجمع الرحيق.

تعجز النحلة عن رشف رحيق بعض أنواع الأزهار.

فإن كانت الزهرة مُزوّدة بتُويج أنبوبي طويل ورفيع، فلن تتمكن النحلة من دخوله، وهذا هو نوع الأزهار التي يمكن أن تبلغه الفراشات لأنها مزودة بخرطوم طويل مُلتفّ فالنحل يميل إذن إلى التوجه نحو الأزهار التي يسهل رشف رحيقها. كما يحبّ النحل الأزهار التي تتفتح براعمها بغزارة.

فهو لا يمضي وقته في التنقل من زخرة إلى أخرى بحثًا عن الرحيق، بل يفضّل الأزهار التي تنمو كمجموعات على مسافات متقاربة.

لا تتّصف الحشرات بالغباء وبخاصة النحل منها. فهو يقيّم على الدوام نوعية مصادر الرحيق. على النباتات إذن أن تحتال عليه لكي يستمر في زيارتها.

تقوم الأزهار في معظم الأحيان بفرز كمية صغيرة من الرحيق لكي تضمن أن النحلة ستقصدها مرارًا وتكرارًا وستستمر في نقل أكبر كمية من غبار الطّلع الذي تنتجه.

لا يعشق النحل الرحيق فحسب، بل يحبّ التهام غبار الطلع أيضًا.

فلدى النحل على قوائمه الخلفية جيوب مُخَصّصة لغبار الطلع، ومُصَمّمة لجمعه أثناء تنقّله من زهرة إلى زهرة.

إذن، عندما تلمحون تلك العاملات، ترون على قوائمها الخلفية تلك التكتلات البرتقالية أو الصفراء الوهاجة. وتختلف الألوان مع اختلاف أجناس الأزهار المتفتحة في تلك الفترة.

عندما يجمع النحل كمية كافية من غبار الطّلع، يقوم بنقلها إلى المستعمرة لإضافته إلى مخزون الطعام.

تشكل مستعمرة النحل العسال حاجزًا مذهلاً لأي من الفواتك التي تودّ أن تلتهم النحل أو العسل الذي يصنعه أو غبار الطّلع الذي يجمعه. وقد تعجز الفواتك عن مواجهة تلك اللسعات مجتمعة.

ففي الواقع، قلّة من الحيوانات تجرؤ على فعل ذلك.

إلا أن التهديد باللسع لا يكفي دومًا. فالوقت الذي يمضيه النحل وهو يجول في أرجاء الحديقة، يجعله عرضة لمصادفة بعض الحيوانات المؤذية التي تجازف بالتعرّض لِلَسعات النحل السامة مقابل وجبة شهية.

عندما تصبح الليالي أقصر وأشدّ برودة، تقلّ فترة غياب النحل عن القفير شيئًا فشيئًا.

أما عندما يشتد البرد، فإن النحل يمضي أوقاته كافة داخل القفير في أحضان المستعمرة مُتقوقعًا ومحاطًا بجوّ من الدفء، آملاً أن يحتمل أسوأ ما يمكن أن يحمل معه الشتاء.

يشكل فصل الشتاء فترة عصيبة بالنسبة إلى مستعمرة النحل لأنه لا يمكنها الحصول على الرحيق من أي مكان. لا يمكن للنحل الخروج.

وما إن يغامر ويغادر القفير حتى يكون مصيره الموت.

تحافظ النحلات على الحرارة في المستعمرة عبر هزّ أعضاء جسدها طيلة الوقت. وبهذ

الشكل لا يتجمّد القفير. إلا أن هذا النشاط يتطلّب كمًّا هائلاً من الطاقة، وهذا ما يفتقر إليه النحل في فصل الشتاء.

فمصدر الطاقة الوحيد هو مخزون العسل الذي يتضاءل يومًا بعد يوم.

في الشهر الأخير من فصل الشتاء، تكون المستعمرة على آخر رمق، بالكاد تعرف الصمود.

لاقت العديد من العاملات حتفها، لكن المستعمرة كمجموعة صمدت....

لكي يحلّق النحل مرة جديدة في الأفق.

اسم البرنامج: عالم الحدائق الخفي
عدد الحلقات: 25
اسم الحلقة: النحل العسال
http://www.majddoc.com/main.aspx?function=Item&id=12191