صناعة العسل وتربيته من الصناعات الواعدة في المملكة

الموافقة السامية على إقرار نظام تربية النحل شكلت دعماً معنوياً للمهتمين والمحترفين

حوار: محمود الديب
صناعة العسل وتربيته من الصناعات الواعدة في المملكة ويتنامي الاهتمام بها؛ بحيث تتجه بقوة لأن تجعل المملكة من الدول الرائدة والمُصدرة للعسل الطبيعي. “مجلة الدعوة” التقت الدكتور أحمد الخازم الغامدي رئيس اتحاد النحالين العرب والمشرف على كرسي المهندس عبدالله بقشان لأبحاث النحل بجامعة الملك سعود ورئيس مجلس إدارة جمعية النحالين التعاونية السعودية الذي كشف عن كثير من المعلومات القيمة عن هذه الصناعة المتطورة وكذلك تعرض للمعوقات التي تعترضها وأكد على مكرمة موافقة المقام السامي على إقرار نظام تربية النحل في المملكة وذلك عبر الحوار التالي:

* كم تصل إنتاجية المملكة من العسل؟
- لا يوحد رقم محدد نتيجة لعدم وجود إحصاء دقيق عن أعداد الطوائف في المملكة ولكن الدراسات المبدئية تشير إلى أن المملكة تنتج بين 9 إلى 10 آلاف طن عسل سنوياً وهذا يعتمد بشكل أساسي على كمية الأمطار التي تسقط وخاصة في المناطق التي تتميز بتربية النحل.

* ما أهم الدول التي تصدر لها المملكة؟
- المملكة تصدر لعدد من الدول ولكن معظم العسل الذي يصدر هو عسل مستورد أصلاً يعاد تعبئته في السعودية ومن أهم الدول التي يُصدر لها العسل الجزائر وليبيا ودول الخليج ويوجد محاولات حالياً للتصدير لمصر.

* هل لدى المملكة سلالات ممتازة من النحل أم يتم الاستعانة بسلالات أخرى من الخارج؟
- يوجد بالمملكة سلالة محلية وهي سلالة النحل اليمني Apis mellifera yemenatica وهذه السلالة منتشرة أصلاً في اليمن والسعودية وعمان والسودان وإثيوبيا وبدأت في السنوات الأخيرة تظهر في دول الخليج الأخرى وبعض الدول الإفريقية المجاورة لإثيوبيا.
تتميز هذه السلالة بمقاومتها للظروف البيئية القاسية وبخاصة درجات الحرارة العالية وتتميز بتحملها للجوع وبمقدرتها على قوة استغلال المصادر النباتية المحلية، ولكن من عيوبها أن إنتاجها للعسل أقل بكثير من النحل المستورد وربما يعود ذلك إلى صغر حجمها مقارنة بالنحل المستورد، ونتيجة لقلة إنتاج السلالة المحلية للعسل ولعدم توفر كمية كبيرة من النحل في المملكة فقد اتجه المربون إلى استيراد نحل من خارج المملكة شمل دولاً مثل أمريكا وأستراليا وإندونيسيا ومصر كما تم استيراد ملكات من عدد كبير من الدول الأخرى.
حوالي 90% من النحل المستورد في الوقت الحالي يتم استيراده من مصر لعدة أسباب منها أن النحل المصري أثبت أنه أكثر تأقلماً مع البيئة السعودية ورخص أسعار الطرود المستوردة مقارنة بالدول الأخرى وتوقيت الاستيراد، حيث إن مربي النحل يستطيعون الحصول على طرود النحل في أي وقت من العام.

* هل تتم الاستفادة من الهندسة الوراثية من أجل زيادة إنتاج النحل؟
- بالطبع فهذه التقنية استخدمت في تحسين سلالات النحل في عدد من الدول ولكن لم تستخدم في السعودية بعد، فكثير من الدول عملت برامج تربيه وتحسين لسلالتها المحلية بحيث ركز على تعظيم بعض الصفات المرغوبة والتخلص من الصفات غير المرغوبة.
في السعودية بدأت المرحلة الأولى من هذا المشروع، حيث يقوم كرسي المهندس عبد الله بقشان لأبحاث النحل بجامعة الملك سعود وبدعم من برنامج الخطة الوطنية للعلوم والتقنية من خلال مشروع مدته عامان يهدف إلى التعرّف إلى المواقع التي لا زال بها نحل محلي نقي حتى يركز عليه في المرحلة الثانية من المشروع الخاصة بالتربية والتحسين.
نتيجة للاستيراد الكبير من النحل ونتيجة للنحالة المرتحلة فإنه يتم تزاوج ذكور النحل المستورد مع ملكات النحل المحلي والعكس مما أدى إلى إنتاج سلاله هجين بين المحلي والمستورد وهي الشائعة الوجود حالياً.

* ما أكثر المدن السعودية إنتاجاً للعسل.. وهل يمكن تعميم صناعة النحل في جميع مدن المملكة أم هناك مقومات طبيعية لا بد من توافرها؟
- تنتشر تربية النحل بكثافة في المناطق بين المدينة وجازان وتتركز بشكل أكبر في المناطق من الطائف إلى جازان (منطقة الطائف ومنطقة الباحة ومنطقة عسير ومنطقة جازان)، وذلك يعود بشكل كبير إلى الكثافة الشجرية في هذه المناطق نتيجة لكمية الأمطار السنوية وأيضاً لملاءمة هذه المناطق للتربية طيلة العام، حيث يقضي مربو النحل فترة الصيف في المناطق الجبلية وفترة الشتاء في المناطق الساحلية التي تتوافر فيها المراعي النحلية والجو الملائم خلال هذه الفترة.
نتيجة للطلب العالي على العسل ونتيجة لقلة المعروض في بعض المناطق ولعدم وجود تسويق فعَّال في مناطق الإنتاج الرئيسية فقد انتشرت تربية النحل في السنوات الأخيرة في مناطق لم يكن النحل معروفاً بها سابقاً، ففي الوقت الحالي يوجد النحل بالقصيم والمنطقة الشرقية والمنطقة الشمالية وخصوصاً بحائل والجوف، حيث يعتمد الكثير من النحالين على المزارع أو على الأمطار الموسمية التي تجعل من الروضات مواقع مناسبة لتربية النحل خلال الفترات البسيطة التي تتوافر بها النباتات المزهرة.

* موافقة المقام السامي على إقرار نظام تربية النحل في المملكة…
ما مراحل تنفيذها… وما تفاصيل الموافقة السامية؟
- عندما تقدمت بفكرة إعداد نظام لتربية النحل إلى معالي وزير الزراعة الدكتور فهد بالغنيم تبنى الفكرة ودعمها ووجه بتشكيل لجنة من الجامعة والوزارة وكانت الفكرة عبارة عن وضع نظام ينظم مهنة تربية النحل في المملكة يحدد واجبات والتزامات المربين والوزارة والجهات ذات العلاقة.
بعد موافقة المقام السامي على النظام تفاءل المهتمون وخصوصاً أن تربية النحل في زيادة سنوية ونتيجة لهذه الزيادة ودخول هواة في المجال فقد نتج عنها بعض المشاكل.
تم الانتهاء من اللائحة التنفيذية وإن شاء الله يبدأ التطبيق قريباً وتم الاقتراح على الزملاء في الوزارة أن يتم التنسيق مع كرسي المهندس عبد الله بقشان لأبحاث النحل بجامعة الملك سعود وأن يكون هناك حملة تعريفية مركزة بالنظام وأهميته وآلية تطبيقه، حيث إن من برنامج الكرسي للعام الدراسي القادم أن يقوم بعقد ورش عمل بجميع مناطق المملكة بالتنسيق مع الجامعات والجهات ذات العلاقة.

* ماذا يشكل هذا القرار بالنسبة لصناعة النحل في المملكة؟
- هذا القرار مثَّل دعماً معنوياً عالياً للمربين والمهتمين بصناعة النحل في المملكة وفي الحقيقة بدأ التنسيق بين الجهات ذات العلاقة وبدأت جهات أخرى تدعم استخدام تربية النحل في تحسين دخل الأسر المحتاجة.

* هل هناك شباب أو فتيات اتجهوا للاستثمار في العسل؟
- معظم مربي النحل في الوقت الحالي من الفئة العمرية المتوسطة وهناك توجّه كبير وملحوظ من الشباب للدخول في هذه المهنة فعلى سبيل المثال بدأت جمعية النحالين التعاونية التي مقرها الباحة بالتنسيق مع بعض الجهات ذات العلاقة وبخاصة كرسي بقشان لأبحاث النحل بإعداد برامج لتدريب الشباب والتنسيق مع جهات داعمة للمشاريع الصغيرة مثل باب رزق بمؤسسة عبد اللطيف جميل ووزارة الشؤون الاجتماعية وصندوق الموارد البشرية وصندوق المئوية ومركز خدمة المجتمع بالبنك الأهلي بتوفير القروض لمشاريع النحل للشباب الراغبين في الدخول في هذه المهنة ولاحظنا إن الإقبال يزداد يوماً بعد يوم.
بالنسبة للفتيات فالإقبال قليل ولكن جمعية النحالين التعاونية تحاول إشهار هذا المجال من خلال مشروعين جار تنفيذهما أحدهما مطروح للتنفيذ مع الضمان الاجتماعي يشمل 300 أسره من الأسر المسجلة بالضمان الاجتماعي والثاني مشروع تدريب 30 أسرة من الأسر المسجلة بجمعية البر يقلوه بتهامة منطقة الباحة، سيشمل البرنامج تدريب جميع أفراد الأسرة بما فيهم الفتيات والنساء على بعض الأعمال التي تتعلق بتصنيع منتجات النحل.

* كيف يمكن معرفة العسل الأصلي من المغشوش؟
- نتيجة لطرق الغش المتبعة فمن الصعوبة الكشف عن جودة العسل بدون الأجهزة الحديثة التي تستخدم في التحليل، فهناك غش بعمل عسل صناعي يتركب من الجلوكوز والفركتوز ويضاف عليه زيوت عطرية نباتية سواء سدر أو حمضيات أو غيرها لتعطي نكهة مشابهه للعسل الطبيعي حسب الرغبة، ويوجد أيضاً غش عن طريق تغذية النحل على عسل مستورد رخيص ويباع بسعر عال جداً في الأقراص على أنه منتج محلي، كما أن تغذية النحل على محلول سكري من أكثر الطرق المستخدمة للغش، وأيضاً خلط العسل المستورد مع العسل المنتج محلياً وخاصة عسل السدر الكشميري مع عسل السدر المنتج محلياً.
الطرق التي نسمع عنها مثل وضع العسل على الرمل أو حرقه أو مطه فكلها غير علمية وتعتمد بشكل كبير على نسبة الرطوبة في العسل.

* بالرياض مختبرات لمعرفة العسل الأصلي من المغشوش وقلت إن عدده قليل جداً وأسعاره مكلفة… فهل هناك مشاريع من أجل إنشاء مختبر بتكاليف رمزية؟
- كرسي المهندس عبدالله بقشان بجامعة الملك سعود أنشأ مختبراً حديثاً وسيقوم بالتحليل على قدر ما يستطيع بأسعار التكلفة كما أن وزارة الزراعة لديها النية لتقوم بتجهيز مختبر قريباً إن شاء الله.

* هل تستطيع صناعة النحل أن توفر مصادر دخل للفتيات والشباب وكذلك للأسر المحتاجة؟
- أثبتت التجارب العالمية أن تربية النحل فعَّالة في زيادة دخل الأفراد والأسر المحتاجة، وفي المملكة كما ذكرت في السابق أن لدينا برنامجاً بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة للتعريف وتسهيل مهمة المهتمين باستخدام تربية النحل لزيادة دخلهم.
أما المشاريع الصغيرة الخاصة بتربية النحل فهي ناجحة في مناطق أكثر من غيرها وبخاصة المناطق التي بها مراع طبيعية وزراعة توفر مصادر للعسل معظم أيام السنة كما في المناطق من الطائف إلى جازان.
ومشاريع النحل مربحة، حيث تغطي تكاليف إنشائها مع نسبة مجزية من الأرباح خلال العام الأول وفيما لو اتجه المنتجين إلى إنتاج المنتجات الأخرى غير العسل لتضاعفت الأرباح فكثير من المربين يركز على العسل وينسى الغذاء الملكي وحبوب اللقاح وشمع النحل وسم النحل وصمغ النحل وإنتاج النحل نفسه وبخاصة الملكات التي تباع بأسعار جيده.
في الكثير من الدول يكون تركيز الفتيات والنساء على إنتاج الصابون ومواد التجميل والشمع وخلطات منتجات النحل التي تدر ربحاً كبيراً يضاهي بيع العسل كمنتج خام.
ونعمل جاهدين على توصيل المعلومات الضرورية للمهتمين ونسعى لتكاتف الجهود لنصل لهذا الهدف.

* كم تكلفة المشروع الواحد، وما نسبة العائد المتوقع؟
- سعر خلية النحل بما فيها من نحل 250 ريالاً تقريباً بالإضافة لمواد ومستلزمات تربية بحوالي 50 ريالاً في السنة.
أما الإنتاج فالخلية تنتج بين 2-5 كيلو في السنة ولو افترضنا أنها تنتج 2 كيلو وسعر الكيلو 250 ريالاً فإن هذا يعني أن التكاليف تغطت وهناك ربح إضافي.

* هل لديكم بيانات عن حجم وأعداد مستثمري النحل في المملكة؟
- للأسف لا يوجد معلومات كافية ولكن هناك مؤسسات ونحالين يملكون آلاف الخلايا من النحل فأحد المستثمرين لديه 01 آلاف خلية وآخر لديه 4000 خلية، كما أن إحدى الشركات المعروفة تستورد ما يقارب من 5000 طن من العسل سنوياً وتعيد تصدير أكثر من 40% منه.
أما الاستيراد فهناك 13000 طن عسل تستورد سنوياً سعر الكيلو 10 ريالات فستكون 130,000,000 ريال
واستيراد طرود نحل حوالي 200 ألف طرد تقريباً سعر الطرد 120 ريالاً فستكون 24,000,000 ريال
وأدوات ومستلزمات تربية + غذاء ملكي + شمع + حبوب لقاح…. استيرادها يكلف ملايين الريالات.
وينتج سنوياً حوالي 9000 طن عسل سنوياً بمتوسط سعر الكيلو 300 ريال
بالإضافة إلى بيع وشراء محلي بمئات الآلاف من الريالات.

* متى تصبح المملكة من أكبر الدول في إنتاج وتصدير النحل؟
- للوصول لمرحلة التصدير سواء عسل أو نحل فتحتاج إلى جهود كبيرة من وزارة الزراعة والقطاع الخاص ويؤسفني أن أقول أن الأمور لا تبشر بالخير في الوقت الحالي فما زال الاهتمام بهذه الصناعة محدود جداً.
العسل السعودي يصدر بكميات محدودة جداً ويباع بنفس السعر الغالي ولكن نظراً لتميزه فما زال يسوق بشكل جيد، وطموحي في العشر السنوات القادمة إن شاء الله أن يكون عندنا اكتفاء ذاتي أو على الأقل نسد الفجوة الكبيرة بين الاستيراد والتصدير.

* ما الجديد في صناعة النحل والذي تحب أن تبشّر به المهتمين والمعنيين بصناعة النحل؟
- الجديد الذي أحب أن أبشر به المهتمين هو أن العمل جار لإعداد إستراتيجية لصناعة النحل بالمملكة والتي متوقع أن ينتهي من إعدادها خلال العام الدراسي القادم إن شاء الله وتهدف لتحقيق عدد من الأهداف من أهمها: رسم سياسة واضحة لصناعة النحل في المملكة من خلال تحليل الوضع الراهن لإبراز نقاط القوة والضعف والتعرف على الفرص المتاحة والتحديات التي يمكن مواجهتها، تنسيق جهود المؤسسات العلمية والبحثية وجميع الجهات ذات العلاقة وتوحيد نشاط الباحثين والمهتمين بتربية النحل، إنشاء القاعدة الصلبة التي يتم على أساسها تطوير صناعة النحل في المملكة من خلال استكمال البنية الأساسية لهذه الصناعة.
وتمت موافقة معالي وزير الزراعة على أن يقوم كرسي المهندس عبدالله بقشان لأبحاث النحل بجامعة الملك سعود بإعدادها بالتنسيق مع وزارة الزراعة وقد تم تشكيل لجنة من مخططين إستراتيجيين ومختصين في النحل وإداريين بالوزارة، وقد تم عمل ورشتين آخرها كانت هذا الصيف بالباحة شارك فيها ممثلون للجامعات والوزارة وصندوق التنمية الزراعية وهيئة الغذاء والدواء والمواصفات والمقاييس والمؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني والضمان الاجتماعي.