جني العسل في غزّة.. مهنة مُتوارثة

جني العسل في غزّة.. مهنة مُتوارثة



وسط أرضٍ زراعيّة تزدهر بكروم أشجار الحمضيّات، في حي الزهراء وسط مدينة غزّة، يستعدّ النحّال أمجد النجّار لتخليص خلايا العسل التي أنتجها النحل على مدار عام كامل، لنقلها بعد ذلك إلى معامل محليّة خاصة حيث يصفّى العسل ويُفرَز، قبل أن تتمّ تعبئته في مُعلّبات خاصة، لطرحها في الأسواق الغزيّة. النحّالون في فلسطين، باشروا هذه الأيّام، جني العسل من مناحلهم المنتشرة في الأراضي الزراعيّة الشاسعة، مع انطلاق موسم الجني الربيعي الأوّل، الذي يبدأ عادةً مطلع آذار من كل عام، وينتهي مع حلول الصيف، إيذاناً ببدء موسم الجني الثاني.

يقول صاحب خلايا النحل، أمجد النجّار، في حديث إلى «السفير»، إنّه بدأ العمل في تربية النحل وإنتاج العسل منذ ما يُقارب العشرين عاماً، بعدما تعلّم هذه المهنة داخل الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة، حينما كان يعمل هناك في تربيّة النحل وإنتاج العسل، قبل اندلاع الانتفاضة الثانية.

وفق إحصائيّات وزارة الزراعة الفلسطينيّة، يوجد في فلسطين حوالي 50 ألف خليّة نحل، تُنتج سنويّاً ما يُقارب 500 طن من العسل الصافي. ويوجد في قطاع غزّة حوالي 300 مربٍّ للنحل، يملكون قُرابة 20 ألف خليّة نحل، تنتج كل خليّة منها حوالي 10 كيلوغرامات من العسل؛ ليصل إجمالي الإنتاج المحلّي في غزَّة زهاء 280 طناً سنويّاً، ليغطي ما مجموعه 60 في المئة من حاجة السوق المحلي من العسل. شارحاً تربية النحل في قطاع غزّة، وإنتاج العسل، يقول النجّار: «يقوم الفلسطينيون بتربية ملكات النحل بالطرق الصناعيّة الحديثة، والاعتماد على أنفسهم في هذا المجال، بيد أنَّ الحصار والإغلاق، ومنع الاحتلال تزويد النحّالين في غزّة بالأدوات واللقاحات اللازمة، يشكّل تحدياً أمام تربية النحل في القطاع».

ويوضح أنَّ إنتاج العسل في قطاع غزّة يعتمد على موسمين أساسيين، الأول يبدأ مطلع شهر آذار، بينما يبدأ الثاني في شهر أيلول. ويشير إلى أنَّ موسم الربيع أفضل جودة وإنتاجاً من موسم الصيف، وهو الموسم الذي يعتمد عليه النحّالون بشكل أساسيّ، لا سيّما أنَّ النحل يتغذّى فيه من زهور النباتات الطبيعيّة، فيما يتغذّى في موسم الصيف غالباً على السكر؛ ما يؤثّر على جودة العسل.
برغم رفض السلطات الإسرائيليّة السماح بإدخال اللقاحات اللازمة والأدوية الخاصة بالنحل إلى قطاع غزّة؛ إلَّا أنَّ مُربّي النحل أمجد النجّار يستبشر خيراً بهذا الموسم، خصوصاً أنَّ كميّة المتساقطات خلال فصل الشتاء كانت وفيرة جداً، ما أدّى إلى نموّ الزهور والنباتات بشكل جيّد.

وفي شهر أيار من كلّ عام، تجهّز البيوت الخشبيّة الخاصة بالنحل، ثمّ تُوضع فيها ملكات النحل، والشمع الخام الذي يبني النحل عليه خلايا إنتاج العسل بأشكالها الخماسية، وتنقل هذه الصناديق إلى مناطق المراعي الخضراء وتتمّ تغذيتها في فصل الشتاء، لأنَّ النحل لا يستطيع الخروج من خلاياه خلال موجات البرد، وصولاً إلى مرحلة جني العسل في شهر آذار.

يُضيف النجار: «يجب وضع خلايا النحل في أراضٍ زراعيّة غنيّة بالمزروعات الحمضيّة واللوزيّات والزهور، حتّى توفّر غذاءً مناسباً للنحل، وأحياناً لا تكفي الأشجار لتغذية النحل بشكل كامل، فنعمد إلى إطلاق سراح النحل ليصل إلى أراضينا المحتلّة القريبة من حدود قطاع غزّة، بحثاً عن الأزهار المُغذّية، لكن أحياناً ينفق آلاف النحل بفعل رش الاحتلال المحاصيل الزراعيّة بالمبيدات الحشريّة، فنتوقّف عن إطلاق سراحه بعيداً عن مزارعنا المحليّة».

كما يُشير إلى أنَّ كلّ خلية نحل تحتاج إلى مساحة متر مربع من الأرض، فتوضع قرابة 200 خلية نحل على مساحة قدرها 20 دونماً زراعياً، لافتاً إلى ضرورة أن تكون مناحل العسل بعيدة عن الأحياء السكنيّة؛ حتى لا تسبّب لسعات للسكان.

عند بدء عمليّة جني العسل، يعمل النحّالون على ارتداء اللباس الخاص للنحل الذي يغطّي الجسد كافة، ولا يسمح للنحل المرور من خلاله، ثم يحضّرون خلية فارغة، وتُشعل النار بالقرب من المكان حتّى لا يتجمّع النحل على جناة العسل. بعد ذلك تُستخرج الإطارات المملوءة بالعسل، بعد إبعاد النحل عنها بفرشاة خاصة، وتُوضع هذه الإطارات في الخلية الفارغة المجهّزة مُسبقاً، وعند امتلاء الخلية تُقفل وتنقل بعيداً عن المنحل.

بعد استخراج الإطارات المملوءة بالعسل، يتمّ فرزها وتنظيفها واستخراج العسل منها، ومن ثم تُعلّب تمهيداً لطرحها في السوق، ويتراوح سعر الكيلوغرام الواحد من العسل، ما بين 13 و26 دولاراً.

مئات الأسر الفلسطينية في قطاع غزَّة تعتمد على تربية النحل كمصدر دخل لها، وتكاد لا تعرف مهنة أخرى سوى تربية النحل وجني العسل. تلك المهنة التي توارثوها من الأجداد للأبناء، قاموا بتطويرها وتحديثها مؤخراً، إذ استوردوا سلالات نحل فريدة، وأدخلوا العديد من الأجهزة والتقنيات إلى مجال عملهم، برغم الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزّة.

وتربية النحل في فلسطين قديمة جداً، فلا تزال كثير من طوائف النحل تعيش في الجبال الشماليّة من فلسطين، كما كان قدماء الفلسطينيين يربّون النحل في خلايا فخارية تشبه الأنابيب، وتوضع بعضها فوق بعض، وقد تُصنّع من الطين والقش، ثم تطوّرت الخلايا في فلسطين كباقي دول العالم حيث أصبحت من الخشب.

غزة - جهاد أبو مصطفى 08-03-2016 01:58 AM
نشر هذا المقال في جريدة السفير بتاريخ 2016-03-08 على الصفحة رقم 16 – الأخيرة

https://www.facebook.com/groups/apiculteur/