الطويين . . أرض العسل والمزارع الغناء

اشتهرت بكثرة الأودية المائية والأعشاب الطبية
الطويين . . أرض العسل والمزارع الغناء
الفجيرة - عبدالحكيم محمود:
تبعد قرية الطويين نحو 80 كيلو متراً تقريباً عن مدينة الفجيرة إلى الداخل لمسافة 10 كيلومترات تقريباً من طريق دبا - الطويين، وتضم هذه القرية التي تتميز بطبيعة جبلية قاسية عدداً من الضواحي المنتشرة بين أحضان جبالها كضاحية الريامة والجريف والميه والمعترضة وخب، فضلاً عن العديد من الأودية المائية القديمة التي أسهمت حتى وقتنا هذا بالرغم من قلة الأمطار في انتعاش النشاط الزراعي للسكان .
وتشتهر هذه الضواحي بوجود المئات من الكهوف الجبلية لعسل النحل، التي ظلت لمئات خلت من السنين إحدى أهم مصادر الدخل للأهالي، كما تكثر فيها أنواع عديدة من النباتات والأعشاب الطبية التي يتسابق عليها المرضى أملاً في التداوي من أمراضهم .
"الخليج" زارت هذه المناطق وتجولت بين أرجائها وتعرفت عن قرب إلى أنماط معيشة سكانها .
انطلقنا صوب قرية الطويين حوالي العاشرة صباحاً واستغرقت رحلتنا من مدينة الفجيرة وصولاً إليها قرابة الساعة عبر طرقات جبلية شديدة الوعورة جبنا خلالها مناطق الجريف وخب والمعترضة والريامة والميه واطلعنا على طبيعة الحياة قديماً في هذه المناطق وتوجهنا إلى منزل عدد من الشواب لنعيش معهم ذكريات الماضي الجميل .

مقومات طبيعية نادرة
بداية قال الشيبة علي محمد اليماحي: "اعتمدنا في معيشتنا ومن قبلنا الآباء والأجداد في جميع مناطق الطويين على تربية الحيوانات (الهوش والبوش)، إضافة إلى زراعة النخيل ومحاصيل الحب (القمح) والفندال واليقطين والبصل والطماطم وجمع الحطب من الجبال والأودية وتسويق هذه الخيرات مع ما تجود به الكهوف الجبلية من عسل وفير في أسواق الشارقة ودبي ورأس الخيمة، خلال رحلات شاقة ومتعبة كانت تستغرق أكثر من عشرة أيام باستخدام الماشية، نعود بعدها إلى القرية ونحن محملون بأصناف الأسماك والأرز والقهوة وجميع متطلبات الحياة اليومية الضرورية الأخرى لعائلاتنا .
ويتناول الشيبة راشد عبدالله اليماحي خيط الحديث ويقول: "ورثنا في هذه القرية وضواحيها المتباعدة فيما بينها مقومات طبيعية نادرة مكنتنا من العيش والإنتاج، وعشنا كغيرنا من سكان المناطق المجاورة لنا حياة هانئة في منازل بدائية مبنية من الأحجار والطين والعسبق وفيها قضينا أسعد أيام حياتنا ومازلت أذكر كيف كانت أيام الطفولة والشباب بين جدرانها البسيطة .
ويقول المواطن سعيد اليماحي، الطويين اشتهرت عموماً بكثرة أوديتها المائية، الأمر الذي ساعد السكان على امتهان حرفة الزراعة، لاسيما في المناطق السهلية المنبسطة الواقعة أسفل الجبال، إلى جانب تربية الحيوانات وجمع العسل من الكهوف الجبلية التي شكلت عصباً اقتصادياً مهماً لجميع الأهالي منذ عقود زمنية طوال .
وأردف قائلاً: "إن أنماط الحياة لم تختلف في جميع ضواحي الطويين، فالزراعة وجمع العسل وتربية الحيوانات من أهم مواردنا التي ساقت لنا سبل الحياة الكريمة والهانئة .

حجرة لكل أسرة
وعن أوضاع المنازل قديماً قال: "كانت كل أسرة تقطن داخل حجرة واحدة مبنية من الأحجار الجبلية وسعف النخيل أو العسبق ويتوسطها فنار وخشبة طويلة مخصصة لتعليق الثياب ويحيط بهذه الحجرة سور حجري وبجانب الحجرة حظيرة خاصة لتربية الطيور وأخرى للأغنام والإبل والماعز" .
وأشار إلى أن معظم الأهالي غادروا المنطقة العام 1974 عقب بناء شعبية الطويين الجديدة لهم باستثناء بعض الشواب الذين رفضوا فكرة الانتقال إلى المساكن الجديدة لارتباطهم الوثيق بالجبال والحياة فيها .
الشيبة سعيد خميس اليماحي حدثنا عن المزارع وطرق ريها قديماً باستخدام اليازرة التي يجرها الثور لاستخراج المياه من الآبار أو بالغرافة التي تشبه إلى حد كبير الدلو .
وتطرق في حديثه معنا إلى الوعوب (أماكن مخصصة لزراعة القمح) قائلاً: "اشتهرت خب قديماً طوال سنوات بكثرة الوعوب الموجودة فيها، حيث تقاسم سكانها هذه المساحات الموجودة أسفل الجبال فيما بينهم واستغلوها لخصوبتها في زراعة الحب خلال اشهر أكتوبر/ تشرين الأول ونوفمبر/ تشرين الثاني وديسمبر/ كانون الأول من كل عام ومن ثم حصاده وتخزينه في المرافع (بيوت صغيرة من الطين والأحجار)" .

مجتمع متماسك
ومن جانبه قال المواطن عبيد سعيد من أهالي منطقة الريامة "واجهنا ظروفاً معيشية صعبة قبل الانتقال للعيش في المساكن الجديدة التي شيدتها لنا الحكومة خلال حقبة السبعينات، مشيراً إلى أن الظواهر الطبيعية كالأمطار والرياح كانت تصيب الأهالي بالخوف والهلع حال حدوثها" .
وتحدث عن متانة الروابط الاجتماعية التي جمعتهم بسكان ضواحي الطويين قائلاً: "ارتبطنا بعلاقات وطيدة منذ القدم مع أهالي ضواحي خب والميه والمعترضة والجريف، حيث كانت تربطنا بهم صلات الأنساب ومصالح التجارة، خصوصاً خلال الرحلات التجارية إلى أسواق مدن دبي والشارقة ورأس الخيمة" .
وعن وسائل العلاج قديماً قال: إن جميع السكان وقتها كانوا يتداوون بالأعشاب الطبيعية التي لطالما غصت بها أودية وسهول وجبال الطويين حال هطول الأمطار، فضلاً عن استخدام الوسم كأحد الحلول النهائية للتخلص تماماً من الأمراض .
ويقول أبو محمد وهو من سكان المنطقة "إن أهم ما يميز ضاحية الميه هو احتفاظها بوسائل تخزين التمور وتجفيفها كالخرس والمسطاع، إضافة إلى "الرحى" الخاصة بطحن الغلال" .

نشر في الخليج 2014.07.11
https://www.facebook.com/groups/apiculteur/