النحال القطري يحتاج دعماً حكومياً وتأمين مزارع وطرق تسويق

المكان: معيذر، مزرعة وارفة، أشجار من النخيل والليمون والكيوي والسدر، يستقبلنا النحال خالد السويدي داخل المزرعة. وقبل الدخول إلى المنحلة، نرتدي اللباس الخاص بالمناحل.
وما إن يفتح السويدي أحد الخلايا، حتى يهجم النحل، وهذا يعني أنه ليس في حالة من الهدوء.

النحل يبني بيوته كما نبني الفيلا داخل المنحلة حركة لا تهدأ، نشاط واضح، تستدل عليه من البوابات الصغيرة الموجودة في أسفل الصناديق، حيث يدخل النحل ويخرج منها خلال عمله.
تحتوي المنحلة خلايا تسمى «الحضنة»، وأخرى تسمى «عسالة» توضع فوق الخلايا «الحضنة»،
ولا تستخدم «الحضنة» إلا للكشف عليها فيما إذا كانت قوية أم لا، وفيها تجمع بيوض اليرقات وحبوب اللقاح. في كل خلية عدة ألواح أو «براويز»، يوضع في كل واحد منها شمع مطبوع، ليقوم بعدها النحل ببناء البيوت، وإضافة الشمع عليها. «إنها تبني بيوتها تماما كما نبني الفيلا» يقول السويدي، مشيرا إلى أن النحل يقوم بعد البناء بتخزين حبوب اللقاح أو العسل أو البيض من أجل اليرقات.
في فصل الصيف، تحتوي كل خلية نحو 10 آلاف نحلة، أما في الربيع والمواسم الأخرى فهي تضم نحو نصف مليون نحلة في الخلية الواحدة. وتتسع الخلايا كلما ارتفعت الطوابق، حيث يصل عددها إلى 4 طوابق في الربيع.

الملكة تعيش 4 سنوات والنحلة شهرين
في خلايا «الحضنة» راح السويدي يبحث عن الملكة، من الصعب أن يجدها بين هذه الكمية الكبيرة من النحل، لكن حجمها الكبير نسبيا عن حجم النحل ساعده في العثور عليها. يتحول البيض إلى يرقات، وكل 21 يوما تقريبا يولد نحل جديد، ولا تتوقف هذه الدورة. يعيش النحل في الصيف نحو شهرين، لكنه لا يعيش في الربيع سوى 25 يوما؛ لأنه في الربيع يقوم بمجهود أكبر، وكذلك الحال في فصل الشتاء، أما الملكة فهي تعيش أربع سنوات.
لكن كيف تصبح النحلة ملكة؟ ولماذا تعيش أربع سنوات؟ ذلك لأنها أكلت من غذاء الملكات، وهو نوع جيد من العسل، إذا أكلت منه النحلة تصبح ملكة وتعيش أربع سنوات، وكذلك يختارها النحل لتصبح ملكة. أما إذا أكلت النحلة كمية أقل من غذاء الملكة فتبقى نحلة وتعيش شهرين فقط.
يحتوي غذاء الملكات على بروتينات وإنزيمات، لكنه يحتوي على مادة بنسبة %2 لم يتمكن العلماء والمختبرات العالمية من معرفتها حتى اليوم. و «هذا هو السر في غذاء الملكات» بحسب السويدي. كيف يتم التفريق بين العسل واليرقات؟ يكون ذلك بأنك تستطيع أن ترى ما وراء العسل، بينما لا تستطيع أن ترى وراء اليرقات. يوضح خالد.
يبدو وضع النحل جيدا في فصل الصيف، مع أنه عادة لا يستحمل كل هذه الحرارة. ورغم ذلك يقوم النحل بتدفئة اليرقات، بسبب الرطوبة، وإذا كان الجو حارا يقوم بتبريدها. «كذلك النحل منتج حاليا، مع أنه لا توجد أزهار في مثل هذا الوقت»، يشرح السويدي.
أما إذا أرادت الملكة التقسيم، فهي تبنى مملكة جديدة، وتغادر المملكة التي فيها، وتخرج إلى مكان مجوف، إلى صندوق آخر أو شجرة تبني عليها مؤقتا، حتى ينقلها النحال ويبني لها مكانا.

موسمان لإنتاج النحل
في إحدى الخلايا تجمع قليل من العسل، وهو مختوم بطبقة من العسل نفسه، هذا يعني أنه أصبح ناضجا وجاهزا للفرز، بينما هناك عسل آخر لم يختم بعد.
يجمع النحل الرحيق، ثم يضيف إليه «إنزيم يفرزه النحل ليغير طعم العسل ويحوله من رحيق إلى عسل». هنالك موسمان لإنتاج العسل، الأول من شهر 9 وحتى شهر 12، والثاني من شهر 3 حتى شهر 6.
يفرز العسل في السنة مرتان، عسل الربيع وعسل السدر، وأحيانا مرة ثالثة، لكن السويدي يتركه للنحل ليتغذى عليه، فلو أخذ العسل كاملا لمات النحل، لأنه لا يغذيه بشكل اصطناعي كما يفعل البعض.
قلة الأزهار في قطر دفعت النحال خالد إلى إنشاء مناحل في عمان والسعودية، حيث تتنوع الأزهار، وبذلك يستطيع توفير سلع منوعة لأهل قطر، فهو لا يبيع ما ينتجه في السعودية وعمان هناك، بل يبيعه كاملا في قطر. تعتمد نوعية العسل على عدة عوامل أهمها: «التربة والمناخ، ونوع النحل، كلها تؤثر في تركيبة العسل وطعمه ولونه».
يعتمد السويدي في تربية النحل على نبات «الريحان»، أو كما يسمى في اللهجة الدارجة «المشموم»، فلا بد أن ترى النحل على الريحان، «النحل يحب الريحان كثيرا، وفي الصيف ينتج النحل كميات جيدة لتوفر الريحان». في المزرعة أيضا أشجار من «الكيوي والمانجو والليمون والجوز وغيرها»، حيث يجد النحل مرعى جيدا من الفجر وحتى المساء.
يجب على النحال أن يكون ملما بأنواع الأشجار، «لا بد أن يعرف هل الأشجار تزهر أم لا؟ فالأزهار أساسية في تربية النحل». كثيرون لا يعلمون أن إنتاج ملعقة واحدة من العسل يقابلها مرور النحل على نحو 5 آلاف زهرة. «في ناس تقول لدي شجرة سدر، هذا مستحيل لا يكفي، أقل من 100 شجرة لا ينتج النحل».

من يأكل من عسل بلده «أفيد له»
السويدي ينصح بتناول العسل المنتج محليا، ذلك لأن النباتات «تخاطب البيئة والأمراض المنتشرة فيها، فمثلا هنا النحل ينتج أملاحا في العسل، ونحن بحاجة إلى مثل هذه الأملاح، لو كنت في أوروبا فكل عسلا منتجا هنالك، أما هنا فكل العسل القطري لأنه يفيد أكثر».
العسل اليمني له شهرة في قطر، وحديثا اشتهر العسل النيوزلندي، حيث اكتشف أنه يحتوي على مضادات حيوية، لكن «هنا لا نستطيع أن نعرف ذلك، لأننا لا نمتلك المختبرات».
كما ينصح خالد المستهلكين بعدم شراء العسل من أي مصدر، وعدم وضعه في الشمس، لأن ذلك يفقد «الإنزيمات»، لأنها تتفكك لو تعرضت للشمس. كذلك يجب الابتعاد عن العبوات البلاستيكية التي تدخل في رائحة العسل وتركيبته، «جهل بعض النحالين يدفعهم لتعبئة العسل في عبوات بلاستيكية مسرطنة. الأفضل وضعه في عبوات من الزجاج أو الفخار».

أسعار مناسبة مقارنة مع المستورد
يباع الكيلوجرام الواحد من العسل بنحو 300 ريال، وهو سعر مناسب لو قورن بأسعار السوق، حيث تباع بعض أنواع العسل بـ1000 ريال و1500 ريال.
ثم إن العسل المحلي أفضل وآمن من المستورد، على الأقل لا يوجد تلوث أو جهل في قطر، كما أن بعض الأنواع المستوردة تتأثر بالعوامل المصاحبة قبل أن تصل «هنا من الفراز حتى المستهلك مباشرة».
وينصح السويدي بشراء العسل المعبأ في عبوات زجاجية أو خشبية، لأن البلاستيك مضر وفيه مواد مسرطنة «أشتري عبوات إيطالية بـ12 ريالا بدلا من الصينية، كي أعبئ بها العسل، وكي أقدم السلعة الجيدة دائما».

بعض الناس تتناول سموماً ولا مختبرات لدى الدولة
توجد دول قريبة يستخدمون أدوية كيماوية لعلاج النحل، لو دخل هذا العلاج في تركيبة النحل فإنه يتحول إلى عسل مسرطن أو مسموم بسبب الجهل.
الناس تشتري العسل لتستفيد منه كغذاء أو دواء، لكن البعض يتناول «سموما» وهو لا يعرف ذلك، لأن بعض دول الجوار تضع مواد كيماوية ليزيد الإنتاج، فيتحول العسل من غذاء إلى «سم مسرطن».
لهذه الأسباب يطالب السويدي الدولة بتوفير مختبرات لفحص العسل ومعرفة ما إذا كان يحتوي على مواد مضرة للبشر، خاصة أن العسل مستهلك رئيسي في قطر. «يوجد مختبرات في السعودية وعمان لكنها غير دقيقة، المختبرات الألمانية تعطيك نتائج دقيقة، يجب على الدولة توفير هذه المختبرات».
يحتوي السوق على عسل مغشوش، لكن من الصعب تمييز العسل الأصلي من المغشوش، خصوصا بعد دخول الصين في إنتاجه، فبعض الإنتاج الصيني من العسل يباع على أنه يمني، بينما هو تركيب وليس طبيعي.
هنا على الناس أن تشتري العسل من «ثقاة النحالين والتجار» وليس من أي شخص، فمن الصعب الآن التفريق بين العسل الأصلي والمغشوش.

طير الوروار العدو الأول للنحل
هناك أمراض فتاكة بالنحل، مثل «الحضنة الأوروبية والحضنة الأميركية»، وهو مرض بكتيري معد يكثر على اليرقات فتموت. بيد أن هذه الحالة غير موجود في قطر.
يوجد أيضا مرض «الفروة»، وهو نوع من أنواع القمل يرى بالعين المجردة، حيث يقوم بامتصاص السوائل من جسم النحلة ويقلل من عمرها، وبدلا من أن تعيش شهرين تعيش شهرا واحدا، وهو مرض مسيطر عليه وليس فتاكا.
طائر الوروار من أخطر الطيور على النحل كذلك، فهو العدو الأول للنحل، ويهاجمه بشكل كاسح، ويأكل منه عشرة آلاف نحلة في اليوم الواحد، حيث يأكل كل عصفور ما بين 100 و400 نحلة في اليوم، حسب السويدي، الذي يوضح أن «المشكلة أن قطر تقع في خط سير هذا الطائر، الذي يستطيع رؤية النحلة من على بعد 5 كيلومترات!».
يهجم الوروار مرتين في السنة على النحل، في شهر 9 وشهر 3، ويتربص بالنحل من الصباح للمساء، وهو نفس الوقت الذي يعمل فيه النحل، و «لا حل لهذه المشكلة».

باحث ينقصه الإمكانيات
ينتج خالد من المناحل الموجودة لديه في قطر حوالي طن من العسل سنويا «إنتاج العسل هنا كأنك تحفر في صحراء من أجل المياه» يقول خالد، مشيرا إلى أن هذا الإنتاج هو إنجاز كبير وليس صغيرا. بعض الأوروبيين جربوا عسله، والآن باتوا يشترون منه العسل سنويا «ذلك لأنني لا أستخدم أي مواد كيماوية في الإنتاج».
تعلم خالد تربية النحل منذ الصغر، وفي عام 2005 بدأ بتربية النحل المصري واليمني، ثم بدأ يتوسع، لكن عيبه -كما يقول هو- عدم توفر محل تجاري لبيع منتجه في السوق «لو استأجرت محلا فسيكلفني 200 ألف ريال في الشهر، وهذا كثير جدا». موضحا أنه قدم طلبا للحصول على محل في سوق واقف «من المفترض أن يوافقوا على ذلك لدعم المنتج القطري، فأنا أمثل قطر في هذا الجانب، والعديد من الدول تتصل بي كمثل لقطر».
خالد -الذي درس الإعلام أصلا- اكتسب خبرة كبيرة على مدار السنين، وزار دولا أوروبية كثيرة، ليتعلم هناك على أيدي خبراء وأساتذة في هذا المجال.
واليوم بات النحالون المبتدئون يتواصلون معه كي يستفيدوا من خبراته، وهو يعقد باستمرار دورات تدريبية في المناحل والمزارع، كذلك تطلب منه بعض المنظمات الإقليمية والعربية المشاركة في محاضرات عن النحل.

نحالو قطر ينقصهم دعم الدولة خاصة في مجال التسويق
مشاكل النحالين في قطر لا تتوقف على هذا أيضا، فهم بحاجة إلى الدعم في مجال التسويق أيضا، وذلك للحفاظ على الإنتاج المحلي الأصلي بدلا من استيراد العسل المغشوش، مشيرا إلى أن بعض القطريين دخلوا هذه المهنة وخرجوا منها بسبب قلة الدعم. ومن يعمل في هذا المجال اليوم يعدون على الأصابع. إذاً لا بد من توفير محال خاصة بمنتجي العسل، ودعم النحالين «بالحبوب وملكات النحل، فالملكة هي النواة، ويصل سعرها إلى 30 دولارا، بينما سعر الخلية 50 دولارا»، متمنيا من الدولة دعم وتشجيع النحالين. ويطالب السويدي أيضا بتوفير مزارع للنحالين «ليس بالضرورة أن تكون المزارع ملكا لهم، فقط أن يضعوا فيها المناحل من أجل الإنتاج». ويقترح أيضا تأسيس جمعية خاصة بالنحالين لتشجيعهم وتوفير متطلباتهم، وبالتالي تطوير هذه المهنة.



السويدي لـ «العرب»: النحال القطري يحتاج دعماً حكومياً وتأمين مزارع وطرق تسويق

الدوحة - عمر عبداللطيف | 2012-07-16
www.facebook.com/apicoles