تربية النحل وتطوير اقتصادياته للاكتفاء الذاتي

تربية النحل وتطوير اقتصادياته للاكتفاء الذاتي

النحلة:
أدى ضعف الإنتاج المحلي من العسل الطبيعي الى غزو المستورد وسيطرته على الأسواق بشكل كبير. على الرغم من جودة الانتاج المحلي للعسل الا ان أصحاب المحال التجارية المختصة ببيعه اشاروا الى دخول أنواع متعددة من العسل منه السعودي والإماراتي والتركي والإيراني وأنواع أخرى تحتوي معظمها على مواد كيميائية وأصباغ ، مع وجود منتجات اشار اصحاب المحال الى انها مغشوشة ، فمنها ما صنع من السكر ، ومنها ما يتم خلطه بالماء والسكر وغيرها من طرق الغش التي تدخل في صناعة العسل .
تجار العسل في الحلة والمختصون في طب الاعشاب هم أكثر الأشخاص معرفة بالعسل الطبيعي. صحيح ان الكثير منهم يعتمد على طرق قد تكون بدائية لكنها جيدة بوجه عام وقادرة على التميبز بين ما تصنعه النحلة وما تفعله يد الانسان. السيد ابو عماد وهو احد المختصين بطب الأعشاب في الحلة افاد بأنه قادر على معرفة اصالة العسل من لونه و طعمه وربما من رائحته ايضا . يضيف قائلا "كوني أتعامل مع حياة الناس وآلامهم يتوجب علي معرفة نوع العلاج الذي أقدمه لهم ومدى أصالته خاصة العسل لان تقديم العسل المغشوش والمحلى بالسكر قد يؤدي الى وفاة بعض الأشخاص المصابين بمرض السكري في حين أن العسل الطبيعي لا يؤذيهم أطلاقا , الأمر الذي دفعني الى التعامل مع نحالين معروفين في بابل بنزاهتهم لتلبية متطلبات العلاج للمواطنين , ورغم ذلك أنا أقوم دائما بفحص العسل للحيلولة دون وقوع المرضى بالمشاكل , واعتمد كليا على المنتوج المحلي رغم شحه لأنه عسل يمتاز بجودته فضلا عن سهولة اكتشاف حالات الغش التي قد يتعرض لها ".
وعلى الرغم من توفر البيئة الزراعية لانتاجه في المحافظة فإن ضعف قطاع الزراعة ادى الى غزو المستورد ونمو مناحل خاصة على حساب المناحل الحكومية . ويشير رئيس قسم الوقاية في زراعة بابل المهندس (علي يوسف) الى "وجود 453 منحلا ضمن القطاع الخاص ومنحل واحد فقط ضمن القطاع الحكومي مؤكدا ان دائرة زراعة بابل تقوم بمتابعة النحالين المجازين فقط من خلال الجولات الميدانية وان هذه المناحل بوضع جيد وفي مرحلة التطور خاصة بعد المبادرة الزراعية التي تضمنت منح سلفة مقدارها خمسة وعشرون مليون دينار لاصحاب المناحل ، كما أن العاملين مؤهلون لادارة المناحل والمديرية تقوم باعداد العاملين بفتح دورات ارشادية في المركز الارشادي في ابي غرق ومشروع تطوير تربية النحل . بالاضافه الى قيام دائرة زراعة بابل ووزارة الزراعة بدعم اصحاب المناحل من خلال منح القروض ، فإنها تدعم جمعية النحالين بتخصيص ارض زراعية في ناحية المشروع لاقامة مشروع تربية ملكات النحل وتوزيع مبيد مكافحة آفة الفاروا بسعر مدعوم ومنح اجازات لتأسيس المناحل .
مشيرا الى ضرورة ان يكون في كل بيت خلية واحدة أو أكثر من اجل انتاج العسل حيث ان الخلية الواحدة تستطيع ان تنتج 10 كغم من العسل داعيا المزارعين والفلاحين الالتزام بعدم استخدام المبيدات الزراعية بالقرب من المناحل لانها تؤثر عليها وتسبب في هلاكها".
ويؤكد الكثير من المختصين وجود علاقة طردية بين نمو وتطور تربية النحل ونمو وتطور الزراعة، كما إن للثقافة والبيئة وإدارة الإنتاج دورا كبيرا في زيادة نمو النحل وانتاجيته، مشيرين الى وجود عدة مشكلات تقف عائقا امام نمو وتطور تربية النحل . المهندس الزراعي ضرغام الخفاجي اشار الى انحسار الرقعة الزراعية بسبب الجفاف وشح المياه فضلا عن تدمير وإتلاف الغابات ضمن الحزام الاخضر وانتشار أمراض الفاروا وتعفن الحنطة وانتشار الآفات الزراعية المؤذية لخلايا النحل مثل أبو الخضير والزنبور الأحمر ، مقابل هذا نجد اهمالا واضحا لشريحة النحالين الذين هم بحاجة للدعم المادي والمعنوي لتشجيعهم على انتاج العسل وتربية خلايا النحل .

وأكد ضرورة تشجيع المزارعين على زراعة المحاصيل العلفية كالبرسيم وزهرة الشمس والاستفادة منها كسروج للنحل و زراعة مصدات الرياح من أشجار الكالبتوس والاكاسيا المفيدة للنحل إعادة تأهيل غابات الكالبتوس لاستيعابها خلايا النحالين في المحافظة ، مع اقامة مراكز بحثية متخصصة في تربية النحل وتنشيط التنسيق بين النحالين والكوادر العلمية المتخصصة في هذا المجال .
دور جمعية النحالين في تنمية قطاع تربية النحل
تعد جمعية النحالين البابليين احدى منظمات المجتمع المدني الفاعلة في الحلة التي ساهمت كثيرا في تفعيل وتنمية تربية النحل في المحافظة . واشار رئيس جمعية النحالين المهندس الزراعي (مازن عبيد) الى "اهمية تربية النحل وانتاج العسل في دعم الاقتصاد الزراعي خاصة والاقتصاد الوطني عامة داعيا الى الاهتمام بالنحالين وتسهيل عملهم وتقديم يد العون لهم و ضرورة الوقوف وقفة جدية للاهتمام بهذا المنتوج وتجميعه لانه انتاج ضخم غير مرئي خاصة في محافظة بابل ذات الطابع الزراعي المتنوع. وناشد المعنيين في هذا المجال باقامة مراكز لتجميع العسل وتسويقه بالشكل الصحيح، والعراق – كما اشار - يكاد يكون الوحيد الذي لا يحتوي على مركز بحثي لمعالجة مشاكل النحل وتطويره خاصة في ظل اخطر كارثة تمر بها تربية النحل الا وهي ظاهرة انهيار طائفة النحل كذلك الاهتمام بالنحالين من خلال الحد من ظاهرة استيراد العسل (الصناعي) واجراء الفحص الانزيمي عليه قبل دخوله الى الاسواق، مؤكدا انه يؤثر باسعاره الزهيدة على العسل العراقي الاصيل الذي يطلب وبشكل غير اعتيادي من دول الجوار".
واضاف "ان جمعية النحالين في بابل عملت منذ تاسيسها عام 2004 على تنمية قطاع تربية النحل والاهتمام بالنحالين من خلال اقامة الدورات والمؤتمرات الخاصة بتربيته ولاسيما للمرأة الريفية لتأخذ دورها في المجتمع الريفي ، كما انها عملت على تنمية البنى التحتية لصناعة العسل.. والجمعية الان تمتلك منحلا متكاملا ومعملا للنجارة يسهم بانتاج مستلزمات النحل ، ومعمل لتعليب العسل هو الاول من نوعه في العراق ، وخلايا نحل من أصول عالمية ، ووضعت اللبنة الاساسية والفريدة من بين مؤسسات المجتمع المدني على ما اعتقد على مستوى العراق ومقرها يعد بيت النحالين في بابل".



دعم الحكومة المحلية للنحّالين وإنتاج العسل
الحكومة المحلية في بابل ابدت استعدادها الكامل لدعم تربية النحل وانتاج العسل في المحافظة كمساهمة في رفع اقتصاد المحافظة وانعاش الوضع الاقتصادي للكثير من العائلات العاملة في هذا المجال .
قال محافظ بابل (محمد المسعودي) خلال افتتاحه لمقر جمعية النحالين في بابل: " ان الحكومة المحلية تدعم الاقتصاد العراقي والانتاج الزراعي ويجب الاهتمام بالتخطيط والإنتاج الزراعي الذي يعد موردا رئيسا لاقتصادنا. وقد شهدت محافظة بابل افتتاح معمل متطور لتعليب العسل يساعد المزارعين على تسويق منتجاتهم بكل يسر و سهولة . نحن كحكومة محلية داعمين لقطاع إنتاج العسل ووفق الصلاحيات المتاحة لنا، ونطالب الأخوة الفلاحين والمزارعين إدخال التكنولوجيا الحديثة في الزراعة والإنتاج الحيواني واستعمال الطرق الحديثة في الري لان العراق بلد زراعي قادر على بلوغ درجات متطورة في هذا القطاع ، مؤكدا ان الاهتمام بصناعة العسل يعني تشغيل العديد من العاطلين عن العمل من الشباب . ونحن نثمن جهود جمعية النحالين في بابل لدعمها ومساهمتها في تشغيل الأرامل والمطلقات في تربية النحل التي وفرت لهن موردا ماليا جيدا .
من جانبها أكدت رئيسة اللجنة الزراعية في مجلس المحافظة سهيلة عباس ان الحكومة المحلية تقدم دعمها الكامل في تفعيل دور الإنتاج الحيواني وفي دعم النحالين البابليين وتزويدهم بما يحتاجونه من مستلزمات تفيدهم في عملهم ، واشارت الى ان محافظة بابل وصلت الى مراتب متقدمة فيما يخص قطاع تربية النحل وانتاج العسل ، وقد ساعدت المبادرة الزراعية التي اطلقها مجلس الوزراء في دعم هذا القطاع ونحن نعمل بالتعاون مع زراعة بابل لتوفير كافة المتطلبات اللازمة لتهيئة اجواء مناسبة وتنمية قطاع انتاج العسل ليكون منافسا للمستورد".

مقترحات لتطوير واقع المناحل في بابل:
ينظر الى الاقتصاد الناجح على انه كيان متنوع . بعض المحللين الاقتصاديين يعتقدون جازمين ان سبب تدهور خطوط التنمية لكثير من بلدان العالم الثالث يرجع الى ان اقتصاد تلك الدول هو اقتصاد آحادي الجانب وغير متنوع . ودعا اقتصاديون في محافظة بابل الى ضرورة تنوع اقتصاد العراق للحيلولة دون تعرضه لاي اخفاقات مستقبلية ، ومن اجل ذلك دعا عدد من خبراء الاقتصاد في بابل وفق دراسة أعدها مركز حمورابي للدراسات الستراتيجية بالاشتراك مع بعض الدوائر والجهات المعنية بالشان الزراعي والاقتصادي الاهتمام بقطاع تربية النحل وانتاج العسل وحل المشكلات التي يعاني منها هذا القطاع والتي تتمثل بانحسار تربية النحل في مناحل ثابتة لصعوبة التنقل بين المحافظات وخاصة في مواسم التزهير، وعدم السيطرة على توقيتات المكافحة باستخدام الطائرات ، وكذلك عدم السيطرة على مسارات الطائرات ، وضعف دور الإرشاد والتثقيف الفلاحي والاقتصار على بعض النحالين في المحافظة وعدم حماية المنتج المحلي ودخول كميات كبيرة من العسل من دول الجوار وبأسعار زهيدة وجودة أقل ، مؤكدين ضرورة دعم المنتج المحلي وإيجاد منافذ للتسويق .
واكد الخبير الاقتصادي (جواد البكري) وجود عدة مقترحات بامكانها ان تقلل من حدة هذه المشكلات، منها تسهيل عملية تنقل النحالين بين المحافظات الشمالية كاستعمال هويات خاصة وعمل جدول زمني عند المكافحة باستعمال الطائرات وإعلانه قبل شهر من عملية المكافحة مع فتح دورات تدريبية للمزارعين بشكل خاص لأهمية تربية النحل في زيادة الإنتاج الزراعي و قيام الجامعات والمراكز البحثية وتوفير أقراص الفوسفين من مصادر معتمدة فضلا عن أهمية إنشاء مراكز بحثية متخصصة في تربية وإنتاج نحل العسل بالتنسيق مع جامعة بابل والكلية التقنية/ في المسيب و إشراف الأساتذة والمختصين على هذه المشاريع لإرساء الأسس العلمية في تربية النحل و استيراد مبيدات لمكافحة الإمراض التي تصيب النحل ومن مصادر معتمدة ، ودعم وتشجيع النحالين المتميزين باعتماد جوائز تشجيعية لغرض زيادة المنافسة في الإنتاج وضرورة الوقاية والسيطرة النوعية على سلالات النحل المستوردة وتنسيق منظمات المجتمع المدني مع الاختصاصيين العلميين في تربية النحل وضرورة إعادة برنامج تطوير النحل في العراق باشراف أساتذة متخصصين على هذا البرنامج.

جريدة الناس تاريخ النشر 25/04/2012 تحرير الساير