قراءة في احدث كتاب علمي عن العسل

ومضات:قراءة في احدث كتاب علمي عن العسل

د. عبدالعزيز المقالح
على كثرة انوع الحلوى وتعدد مصادرها الطبيعية والمصنعة يبقى العسل هو سيد الحلويات جمعاء واكثرها غواية واغراء شريطة ان يكون منتجاً طبيعياً وعسلاً صافياً غير مغشوش، ومنذ وعيت نفسي لم توقعني حلاوة في شباكها كحلاوة العسل، واعتقد ان ذلك هو شأن البشر جميعاً، ونحن المسلمين نعدها مادة مباركة لاسيما بعد ان نال العسل تكريماً قرآنياً توجزه الكلمات البديعة التالية: «فيه شفاء للناس» وهي حقيقة اكدتها التجارب الخاصة والمعملية فهو يشفي كثيراً من الامراض الباطنية والجلدية، واتذكر في هذا الصدد اقوالاً لوالدتي من ان حياتي كانت منحة من الله اولاً ثم من العسل ثانياً، فقد نشأت طفلاً قروياً كثير التمرض، وكان في العسل دوائي وشفائي وهو العلاج الطبيعي الذي كان الآباء والامهات يعمدون اليه في انقاذ اطفالهم من نزلات البرد ومن النزلات المعوية وغيرها.
وكان من حسن حظي انني ولدت في قرية محاطة بالجبال والوديان وكانت الجبال- يومئذ- مناحل طبيعية لانتاج اجمل انواع العسل وهو الشهد الابيض الذي حين يتجمد لا يتم تكسيره إلا بالفؤوس.

واتذكر ان سكان القرية كانوا يتجمعون في فصل معين من العام ويأخذون اشدهم بأساً ومراساً ويربطونها بحبال متينة ويدلون بهم من اعالي الجبل الى حيث يتخذ النحل مناحله الطبيعية فيما يشبه الكهوف ويبدأ الرجال في جمع اقراص العسل في أوانٍ يتلقفها الذين في اعالي الجبال، وبعد ان يعصر بقماش ابيض نقي يوضع في اوعية من ثمر اليقطين، ويتم استخدام بعضه بعد عصره محلياً والبعض الآخر يتم تسويقه.

اطرح هذه الاشارات تمهيداً للحديث عن احدث كتاب قرأته منذ ايام عن العسل وعنوانه «العسل وفوائده» تأليف الاساتذة: الدكتور محمد السعيد الشريف، والدكتور احمد محمد الحضراني، والدكتور عبدالله الحميري وللكتاب عنوان اضافي هو:«مرجع متكامل حول العسل ومنتجات النحل» ويتألف من سبعة فصول تتمحور الفصول الخمسة الاولى حول النحل، انواعه وسلالاته، واشكاله وطوائفه، وخصائصه بالاضافة الى التعريف بالعسل وخواصه الطبيعية والكيمائية واستعمالاته في العصور القديمة وما يدهش في المعلومات التي اوردها الاساتذة وثلاثتهم اكاديميون ذلك النظام العجيب الذي حققه هذا المخلوق الصغير الذي يبني ممالكه ودوله على قدر عال من الدقة والالتزام في اداء الواجبات وضبط المواعيد مما لم يتحقق سوى للقليل من المجتمعات الانسانية والاهتمام بالعسل -كما سبقت الاشارة وكما تشير السطور الاولى من المقدمة- قديم فقد اهتم الانسان بالنحل ومنتجاته وقد وجد في المخطوطات المصرية القديمة ان العسل كان له دور بارز كعنصر شفائي، ووصف ايضاً بأنه شراب الآلهة، ونسب الى العسل كثير من المزايا في كتب الطب القديمة الروسية والصينية والهندية والعربية وفي الحديث عن الاهمية الاقتصادية لنحلة العسل تشير السطور الاولى من الفصل الاول الى ان هذه النحلة «من اهم الحشرات الاقتصادية التي عرفها الانسان من قديم الزمن ولما للنحل من اهمية اقتصادية في التلقيح الخلطي للازهار وما ينتجه من منتجات ضرورية ومفيدة للانسان، ولذا لو تم توفير العدد اللازم من طوائف النحل الكافي لتلقيح محاصيلنا الزراعية لحققنا زيادة مذهلة في الانتاج الزراعي تفوق ما يمكن الحصول عليه من زيادة التسميد او تحسين لخدمة الاراضي الزراعية.

وفي هذه الاشارة الاخيرة ما يدفعنا الى القول بأن التسميد الصناعي للاراضي الزراعية واستخدام المبيدات في اقطارنا العربية قد قضى او كاد يقضي على هذه الحشرة الجميلة فالقرى التي كانت عامرة بالمناحل اصبحت خاوية ولم يعد للنحل فيها من اثر ويتم ذلك الاهدار في غياب الاشراف الحكومي واتساع دائرة الاهمال الشعبي، ومن المفارقات المثيرة للقلق ان الحشرات غير المفيدة نجحت في مقاومة المبيدات بأنواعها في حين ان النحلة وهي حشرة ضعيفة كانت الضحية الاولى لاساليب التسميد الخاطئة والاستخدام العشوائي للمبيدات التي بدأت في قتل الانسان نفسه.

الأربعاء, 18 ديسمبر 2013 --> العدد 1742 - الثقافية صحيفة 26 سبتمبر

https://www.facebook.com/groups/apiculteur/