عِلْم الحَشَرات: النَّهْـج الخاص بالنَّحْـل

عِلْم الحَشَرات: النَّهْـج الخاص بالنَّحْـل



روح خلية النحل: آليات التطور الاجتماعي:
في كتابه الذي صدر عام 1901 بعنوان «حياة النحل»، استغرق الفيلسوف والشاعِر وأحد روّاد المذهَب الرمزي، موريس ميتيرلينك، في تأمُّل «روح خَلِيَّة النحل». تساءل: كيْف لعِدَّة آلاف من الحشرات الاجتماعية أن تنظم نفسها في مُستَعمرة تعاونية؟ وفي الكتاب الرائع «روح خلية النحل»، يوضِّح روبِرت بيدچ، العالِم البارِز في وراثة النحل، كيف يجيب العلم عن ذلك السؤال المفتاحي.

يوضح الكتاب ـ الذي يأتي مُمَثلًا لأبحاث استمرت على مدى حياة بيدچ ـ بالضبط مدى ما وصلنا إليه في تحليل وإعادة بناء عديد من العوامل المسؤولة عن أداء الوظائف على مستوى المُستعمرة. يقف بيدچ على كتفيْ عالِم وراثة النحل، هاري ليدلو، مُعترفًا بجهوده، حيث كان له السَّبق في الكشف عن عديد من الجوانب الأساسية لعِلم وراثة وسلوك تزاوج نحل العسل. ويؤرِّخ بيدچ للتوسُّع في المنهجيات على مدار عقود عديدة، بداية مِن التحليلات السلوكية والهُرمونية إلى الكيمياء العصبية، وأخيرًا إلى تَسَلّسُل الحمض النووي. ونكتشف أيضًا كيف كان الباحثون العاملون مع نحل العسل روّادًا في ابتكار عديد من التقنيّات. والمثال على ذلك.. رسم الخرائط الوراثيّة، مع تحديد مواقِع الصفات الكَمّية، التي يمكنها التَعَرُّف على الجينات العديدة المُترابطة التي تُحَدِّد السلوكيات المُعَقَّدة مثل جمْع حبوب اللقاح.

يقوم كتاب «روح خلية النحل» على السؤال البسيط عن سبب جمْع نحل العسل للكثير أو القليل من حبوب اللقاح والرحيق. وقد كان يُنظَر في السابق إلى أفراد النحل العامِل على أنها متطابقة من الناحية السلوكيَّة، غيْر أن بيدچ وآخرين أثبتوا أن هُناك تفاوتًا كبيرًا في استجابات الأفراد للمُحَفّزات التي تُحَدِّد مستوى جَمْع الرحيق وحبوب اللقاح، مثل حجم حبوب اللقاح المُخَزَّنة في العُشّ. وإضافة إلى ذلك.. تتزاوج كُلّ مَلِكَة مع 12 ذكرًا في المتوسط من ذكور النحل، حيث تختلط سوائلهم المنوية في كيس المني لديها. وهكذا يقدم النحل العامِل في كُلّ مُستَعمَرة مزيجًا مُمَيّزًا من الميول الخاصَّة بالجَمْع، التي تأتي متأثرة بالعوامل الوراثية.

ويتناول بيدچ بعد ذلك كيف تخلق أفراد النحل ـ مع تبايُن خلفياتهم الوراثية ـ في المستَعمَرة المرونة اللازمة لتنظيم المَهَام، التي تشمل جمع حبوب اللقاح والرحيق والماء، إضافة إلى الدفاع، وإزالة النحل الميت من العُشّ، في استجابة للظروف البيئية. هذا الجهد الجماعي هو أحد أفضل الأمثلة لدينا على الأهمية النسبية للوراثة والبيئة والطَّبْع والتَّطَبُّع بالنسبة للكائنات الاجتماعية؛ فتصبح احتياجات المُستعمَرة هي القوة الدافعة الرئيسة في جَمْع حبوب اللقاح، مؤكدةً على أهمية العوامِل البيئية. يقول بيدچ إن النمط الجيني للنحلة يفسِّر فقط 8 - %25 من التبايُن السلوكي، وعادة ما يكون أقرب إلى %8. ويُعَد هذا تصَوّرًا مُريحًا بالنسبة إلى أولئك الذين يفضلون التَّطَبُّع عن الطبْع.

لاقى «روح خلية النحل» ترحابًا من زملاء بيدچ من علماء البيولوجيا التطورية، وإنْ تَطَلَّبَ الأمر في بعض مواضِع الكتاب بعض الفهم للمنطِق البوليني، والسلوك الثنائي، وأساسيات عِلْم الوراثة. إنّ الكتاب يكون مشوِّقًا أكثر عندما يستخدم بيدچ القصة والوصف، بدلاً من النماذِج والرياضيات، حيث يُبْدِي بيدچ بوضوح مودَّة كبيرة يكنّها لزملائه وللنحل، كما يقدم لمحات رائعة عمّا يتعلَّق بكيفية إجراء البحث؛ إذ يفتح لنا ذلك العالَم مِن خلال توصيفاته لتجاربه الدقيقة الرائعة، مثل تلك التي أجراها لاستكشاف المُكَوِّن الجيني لجمْع حبوب اللقاح.

كُنت أودّ أن أسمع المزيد عن الأشخاص الذين عمل معهم، وعن علاقته بحشراته بعد عقود عديدة له في هذا المجال، لكن بيدچ ينهي كتابه بصورة مقتضبة ـ غير متوقَّعة ـ بفصل قصير جدًّا يعيدنا إلى كتاب ميتيرلينك «حياة النحلة». افتقدت اللغة المُحَلِّقَة للشاعِر هنا، التي كانت تُكْمِل الدائرة على نحو جميل، مثل وصف ميتيرلينك لخلية النحل باحتوائها على «اللغْز المُحَيِّر للتفكير العقلاني والمنطقي، والمصير، والإرادة، والهدف، والوسيلة، والأسباب؛ والتنظيم الذي لا يمكن فهمه لأكثر صور الحياة ضآلة».

وعلى الرغم من ذلك.. يبقى كتاب بيدج مثالاً مُبهِجًا يوضح كيف تستطيع مهنة مُكَرَّسة للعلم أن تُعمِّق وتُوَسِّع تصوّراتنا عن العالم حولنا على نحو كبير ومثير.

روبرت إي. بيدچ، مطبعة جامعة هارفارد 2013

www.facebook.com/apicole

www.twitter.com/apicoles